للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن. فهؤلاء إذن هم الطبقة الأدنى من المتقولين على القرآن، لاشتغالهم بالحروف فقط، وقولهم ساقط يميزه الساذج، ولو أن أحدهم قد رأى في الآثار الضعيفة والموضوعة مسوّغاً لفعله فهو آثم، فالجهل بأصول الحديث لا يُعتبر مسوغاً للطعن في القرآن، وقد صدق فيهم قول الإمام أبي حنيفة: "من طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب الدين بالجدال تزندق، ومن طلب غريب الحديث كُذّب." (١) لأن علامة الكذب غرابة المذهب، حتى لو كان سائغاً في عقل صاحبه وله وجهٌ صحيحٌ برأيه، "والفرق بعيد بين علم يُورِد منه المؤلف إشباعاً لكتاب، وبين كتاب يُفرده إشباعاً للعلم نفسه." (٢)

المسلك الرابع: الذين أنزلوا القرآن مراتب كتب التاريخ، وقاسوه بغيره من إرث الأمم، وكأنه حجر رشيد (٣) واعتبروا هذه الحروف كأي رموز غريبة لا تُفهم إلا بفهم اللغات الدارجة أيام التنزيل، وأنّ هذا الكتاب الأوحد خاضع لأبجدياتها، وهذا هو التحريف، وهو كفر بالإجماع، (٤) "ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر" (٥)، وهؤلاء هم الطبقة الأعلى من المتقولين على القرآن، وهم العدو المبين، لاشتغالهم به كله وحجتهم كانت هذه الحروف. فكان منهم مثلاً من عمد إلى قراءة الرسم القرآني دون أي تغيير قراءة سريانية، وزاد عليه بتغيير نقاط الحروف، لإيجاد كلمات


(١) الجامع للخطيب البغدادي (١٥٩/ ٢) من طريق تلميذه أبي يوسف القاضي ويروى القول عنه أيضاً.
(٢) الرافعي - تاريخ آداب العرب ج١ ص ١٨
(٣) حجر رشيد هو حجر نقش عليه نصوص هيروغليفية وديموطيقية ويونانية، كان مفتاح حل لغز الكتابة الهيروغليفية، سمي بحجر رشيد لأنه اكتشف بمدينة رشيد الواقعة على مصب فرع نهر النيل في البحر المتوسط.
(٤) قالها القاضي عياض في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ج٢ ص٣٠٥
(٥) ابن قدامة المقدسي، لمعة الاعتقاد - القرآن كلام الله ص٨٢

<<  <   >  >>