للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صدرك وتقرأه {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قال: فاستمع له وأنصت، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} علينا أن نبينه بلسانك، قال: فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عزّ وجلّ". (١)

فمجال بحثهم هذا بعيد عن القرآن من وجوه عدّة، أيسرها في الذكر: أنه نزل بلسان عربي وصوت عربي، وهو القرآن قبل الكتابة {لِسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مَبِينٌ} [النحل: ١٠٣] وكل ما سوى لسانهم وصوتهم وما لا يفهموه كان أعجمياً بعرفهم، قال الشنقيطي: "واعلم أن كل صوت غير عربي تسميه العرب أعجم، ولو من غير عاقل ومنه قول حميد بن ثور يذكر صوت حمامة:

فلم أر مثلي شاقه صوت مثلها ... ولا عربياً شاقه صوت أعجما" (٢)

ولم نسمع أن العرب قالوا فيما سمعوه من القرآن «ما معنى هذا؟» وبناءً عليه فإن أصحاب هذا الرأي جاهلون تماماً بما لدينا من علوم خاصة، هي من أعجب العلوم وأشرفها لتلقي القرآن وتجويده ورسمه، وذِكْر أصول اللفظ فيه، وتنوع قراءاته على ألسنة العرب. وإن قال قائل: هم معذورون لجهلهم بعلوم المسلمين الخاصة، قلت: بل إنّ هذا القول لا يقوله إلا مدلس على البشر، وكاذب على التاريخ مزور للآثار، واستغلالهم لعلم مقارنة اللغات مفضوح غير مستور، لأن هذه العلوم حيادية تجريدية، وهي قادرة على إظهار الزيف بنفسها، ومن يقرأ في هذه العلوم وينتهج فيها المبادئ الأساسية من المنهج العلمي، لن يجد دليلاً واحداً على أن أصل الكتابة العربية كان من لغة شقيقة. وهنا تفصيل لم يتنبه إليه الكثيرون، بأنّ هناك فرقاً بين اللغة (نظام


(١) رواه الإمام أحمد (٣٤٣/ ١) والبخاري (٨/ ١) ومسلم (٣٣٠/ ١) والترمذي (٤٣٠/ ٥) والنسائي (١٤٩/ ٢) وابن حبان (٢٢٦/ ١) والطبري (٦٦/ ٢٤) وابن أبي حاتم (٣٣٨٦/ ١٠) وغيرهم.
(٢) أضواء البيان (٩٨/ ٦) تفسير سورة الشعراء.

<<  <   >  >>