للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتحقق به الكلام) والكتابة (نظام تتحقق به الحروف) والخط (نظام يتحقق به رسم الحروف)، وعليه فجلُّ ما يجد الباحث وما يستقر عليه من رأي، أن اللغة العربية لغة سامية، كالأكادية والآرامية والعبرية، وكانت الكتابة فيها عربية جنوبية وعربية شمالية، نسبة إلى جزيرة العرب، وأن الكتابة بالحروف العربية الشمالية النبطية للغة العربية هو أقرب الاحتمالات لأصل الحروف المستعملة في الكتابة زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقبل بعثته بفترة طويلة، وهو ما أثبته علم الآثار باكتشاف (نقش النمارة) (١) وغيره من النقوش، "وعلى الرغم من أن العربية الشمالية آخر اللغات السامية تدويناً إلا أنها احتفظت بجل خصائص اللغة السامية الأم، كالإعراب الذي اختفى من كل اللغات السامية باستثناء الأكادية. واللغة السامية الأم هي لغة فرضية تُوُصل إليها بعلم اللغة المقارن (أي مقارنة الساميات ببعضها). ويُعلل ذلك بسبب العزلة النسبية التي عاشتها القبائل العربية التي بقيت في الجزيرة العربية بينما تأثرت لغة القبائل السامية المهاجرة باللغات الأخرى غير السامية التي اتصلت بها وأخذت منها وأعطتها، الشيء الذي أدى إلى حدوث تغيرات لغوية أبعدتها من الأصل السامي وهذا ما وقع للأكادية والعبرية والحبشية وغيرها." (٢) فهذه اللغات السامية ومنها الآرامية - وهي اللغة الأم للسريانية والكلدانية - كانت نشيطة قبل الإسلام، "وظلت الآرامية نشيطة حتى جاء الفتح الإسلامي فأخذ يسري إليها الضعف لاتصال أهلها بالعرب، وهكذا تغلبت عليها العربية في القرن العاشر وبقيت الآرامية لغة دينية مقرها الكنيسة تقام بها الصلوات .. وما زالت مستعملة في كنائس السريان والكلدان والموارنة إلى اليوم" (٣)، والأعجب من هذا أنه كان عند السريان كتابة تدعى بالقلم الكرشوني، وهي كتابة العربية بالأحرف السريانية (٤)، وهي معروفة إلى الآن، فكأن هؤلاء قد نسبوا الجد إلى أحفاد أحفاده بزعمهم. أما الخطوط العربية وغيرها فهي من الفنون، وليست حكراً على أحد، وقد يستعمل العرب خطوط السريان أو العكس، كما يستعمل العرب الخطوط الفارسية والعكس، وهو حاصل ومتَّبع إلى الآن من تشارك الكتابات في الخطوط، ومن الحق أن يقال بأن العلم ليس فيه انحياز لمذهب أو دين، وهو واقع ملموس، ولكنّ ما قالوه لا يكون إلا إتباعاً لآراء الرهبان والأحبار، وَانْحِيَازاً للطعن في القرآن والإسلام فقط، وبما أن أساس هذا العلم هو المقارنة بين الشبيهين، فأين قرآنهم السرياني؟ وأين نسختهم النقدية؟ حتى لو كانت هذه النسخة سورة واحدة من القرآن من أصغرها لأكبرها، (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) فأعطونا دليلاً تاريخياً واحداً ولو أصغر من حجر رشيد، على إيجاد المترادفات والاقتباسات، (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) فأعلمونا بكيفية المعالجة لما خالف لفظه رسمه في كلام العرب وأين ستجدونه؟ هيهات، فهم داخلون في قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) فصلت}. أي أقرآن أعجمي، ورسول عربي؟ (٥) وعليه فهذا المسلك باطل لما سبق و"لقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِىّ مَبِينٍ} فلا يحمل على ما ليس


(١) نقش النمارة الذي اكتشف في الصحراء السورية، وهو نص مؤرخ بتاريخ ٣٢٨ م ومكتوب بنوع من الخط النبطي القريب من الخط العربي الحالي، وهو عبارة عن رسم لضريح ملك الحيرة امرئ القيس بن عمرو وُصف فيه بأنه "ملك العرب" وموجود في متحف اللوفر، وصورة جيرية له في متحف الخط العربي بسوريا، انظر الملحق نقوش ما قبل الإسلام.
(٢) د. عبد الرحمن السليمان - مقال بعنوان اللغات والآداب السامية في موقع القصة السورية، وانظر (الساميون ولغاتهم لحسن ظاظا) حيث يقول بعد التأكيد على ما ذكر: "مما يؤيد مذهب القائلين بأن العربية الفصحى، وإن كانت آخر وأحدث اللغات السامية من حيث النصوص المكتوبة، هي أقربها إلى السامية الأم، لأنها عاشت في أمية العرب، محفوظة بعيدة عن التغيير والتبديل" ص٥٥
(٣) دراسات في اللغتين السريانية والعربية - إبراهيم السامرائي ص ٨، والقرن العاشر هو بالميلادي
(٤) تاريخ آداب العرب - الرافعي ص٧٠
(٥) أضواء البيان (٩٨/ ٦) تفسير سورة النحل

<<  <   >  >>