غيره عقلاً. ولعل القائل يقول هذا صحيح ولا مجال لنفيه، ولكن لماذا لم يُذكر النصف الآخر من هذه الحروف؟ قلت هذا هو الاختيار للأفضل والأسلس وهذه حجتنا في إثبات الاختيار، وإن كان النصف الآخر يشتمل أنصاف الحروف والصفات لكنه لا يشتمل دقائق الصفات، كاشتماله حروف الرخاوة المتوسطة، ولا يشتمل على ذكر الأكثر من صفات الحروف المفردة، ولو جاء ذاك النصف لما أشار إليها بهذا التكامل. ولعل القائل يقول هذا صحيح ولكن هذا الاختيار للنصف من الحروف كان من بين أربعة احتمالات وهي الربع والنصف والثلاثة أرباع والكل، وأخيراً كان بالاختيار بين نصف وآخر، وهذه احتمالات مطروحة، قلت: نعلم جميعاً بأن نظرية الاحتمالات في علم الرياضيات قائمة على النسب في احتمال الحدث (١)، إما منفرداً أو متتالياً مع غيره وهو الأعقد والأصعب، ولكن مهما كانت المسألة معقدة فسيكون هناك احتمال ولو بنسبة بسيطة، ولكنها تتمثل من "الصفر" وهو المستحيل، إلى "الواحد" وهو الأكيد، ولو وضعنا احتمالية اختيار نصف هذه الحروف بحسب صفاتها وتنصيفها بتسع وعشرين محاولة، لكان الاحتمال رقماً مقارباً للصفر ويستحيل أن يقرأه إنسان، فلا نذكره، بل نفرضه صفراً، فهل هذا اختيار عشوائي؟ من قال نعم فقد زعم أنه يستطيع اختيار حبة رمل من الصحراء، وتكون هذه الحبة هي ذاتها التي أضمرت في نفسي. ومن قال لا ولكنه احتمال حتى لو كان احتمالاً من بين ملايين المليارات من الاحتمالات، فقد زعم أن ما قارب الصفر لا يمثل المستحيل، ولو قلنا إن احتمال وجود مئة مرض في شخص واحد من سكان العالم هو واحد إلى مئة مليار، وعدد سكان العالم قريب من ستة مليارات، فهذا دليل على استحالته وإن أسميناه احتمالاً، وما وُجدت نظرية الاحتمال أصلاً إلا لبيان هذه الأحوال.
(١) نظرية الاحتمال هي النظرية التي تدرس احتمال الحوادث العشوائية وتحدد التوزيع الاحتمالي للمتغير العشوائي.