وقد يستدل أحدهم بقول الشافعي إن "حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال" وقد يحرفها البعض فيقولون إن الدليل إذا كان فيه احتمال سقط به الاستدلال، وهذا من سوء الفهم لقواعد الأصول، لأن "الاحتمال الذي يوجب الإجمال إنما هو الاحتمال المساوي أما المرجوح فلا وإلا لسقطت دلالة العمومات كلها لتطرق احتمال التخصيص إليها، وذلك باطل"(١)، فكيف بالاحتمال المستحيل، هذا من باب، ومن باب آخر فالاحتمال المعتبر هو الاحتمال السوي وإن كان مرجوحاً، والذي يتحصل من ظاهر النص أو مدلول اللفظ إن كان هناك اشتراك لفظي بين المعنى اللغوي والمجازي، ويحمل على المعاني اللغوية في حال التساوي لأنه ظاهر النص وما هو الأصل فيه، أما في التأويل وما فيه من توسع في بيان المقاصد بالتدبر في كلام الله فلا، إذ ليس لأحد من البشر تحديد القرآن بقوله المجرد، كما لا يحق لأحد من البشر تحديد قائل القرآن بكلامه، فاستدلال أهل الأصول قائم على تحديد الأحكام والعقائد، وليس على تحديد التدبر في القرآن، ولذلك لم ينكر - صلى الله عليه وسلم - على ثابت بن قيس فيما رواه الشيخان بأخذه ظاهر النص في قوله تعالى (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) وقد كان جهور الصوت، فاعتزل وظن أنّه حابط عمله وأنه من أهل النار، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: إنك لست من أهل النار بل أنت من أهل الجنة، فهذا من صلب الإيمان، وليس لأحد أن يضع سقفاً للإيمان، أما في بيان الأحكام وتحديد العقائد فنجد في القرآن رد النمرود على إبراهيم عليه السلام بقوله "أنا أحيي وأميت"، لأنه تأول ظاهر الكلام من قول إبراهيم عليه السلام على إطلاقه، بأن الموتى تجمعهم صفة الموت عرفاً وحكماً، وكلاهما احتمال سوي، وإن كان استدلاله مرجوحاً، فلم يجادله خليل الرحمن واستشهد بآية أخرى من آيات الله والتي لا تأويل فيها على الظاهر، ليقطع
(١) تهذيب الفروق للشيخ محمد بن علي بن حسين وهو تهذيبٌ لأنوار البروق في أنواع الفروق للقرافي المالكي (٦٨٤ هـ) مع حاشية ابن الشاط، الفرق ٧١ ج٢ ص١٠٠، وقول الشافعي مشهور ومذكور في ذات الكتاب.