الكاذب لضعفه ومهانته إنما يتقي بأيمانه الكاذبة التي يجترئ بها على أسماء الله تعالى، واستعمالها في كل وقت في غير محلها." (١) وهذا القسم مخالف لشرع الله، ولذلك وجبت عليهم العقوبة، ولو لم يكن من تشريع أو عقوبة، فلن يضيرهم هذا الفعل العظيم.
وبعد هذا كله تم التأكيد على ذكر التشريع في الكتاب الإلهي {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧)} وهو سؤال تحقير لهم، بكيفية حكمهم على الأمور من جهة وسؤال تنبيه وإشارة على أن التشريع لا يُترك لأمثالهم، فقد وُجد التحكيم والتشريع في القرآن وجاء القرآن لبيانه، إضافة لذكر الأولين، وبعدها خوّفهم الله من الآخرة ومن الحساب، بوصف دقيق لبعض وقفات الآخرة بقوله تعالى {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧)} وهي إشارة بأن هذا القرآن يذكر الآخرة، ويتحدث عن الغيب مما لا يعقلون، ولن يجدوه في كتاب آخر، أي بالمحصلة هذا كتاب الله المعجز فيه ذكر القصص وفيه التشريع وفيه علم الغيب، وليس كمثله كتاب قط، ولذلك نجد في آخر آية من السورة قوله تعالى {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٥٢)} أي لزاماً عليكم التصديق بأنه يحوي أقسام الذكر الثلاثة، وأن من أنكر إحداها سيكون حاله كحال طرفي التشبيه، أصحاب الجنة والكافرين، وله من الوعيد ما لهم.
فهذا التفصيل فيه الحق، بل والإيمان به ضمنيّاً ضرورة، وقد جاء في القرآن واضحاً في بعض سوره وآياته، ومنها ما جاء بالإشارة في آية واحدة كما في سورة آل عمران بقوله تعالى {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)} وقبل ذكر قصة مريم البتول، وكلام الملائكة لها، وذكر قصة زكريا، ودعائه لله وكفالته لمريم، وذكر قصة امرأة عمران ونذرها لما في بطنها لله، واصطفاء الله