للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بشر، وهذا يلزم أن يأتي فيه آيات محكمات المعنى والدلالة، وذلك إما لإقامة الحجة على المشركين أو لما فيه التشريع للمسلمين، كقوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١٥١] وفيه ما يلزم مقاصد التشريع من أمر ونهي وبيان للثواب والعقاب والترغيب والترهيب، أو ما فيه العبرة بما حل بالسابقين كقوله تعالى {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٨١) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤) الحجر} وهي تمثل معظم القرآن بالقول هنَّ أم الكتاب، ومنه آيات متشابهات المعنى، لضرورة القياس والتشبيه بما رأت العين أو سمعت الأذن، كوصف الجنة والنار، ووصف بداية الخلق، ووصف أفعال الله جلّ في علاه، وهذا لإقامة الحجة على الناس بإفهامهم، وخير طريق للإفهام هو ضرب المثال كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: ٤] فتجد في تفسيرها وما جاء في معانيها كغيرها من الآيات المتشابهة ما افترق عليه كثير من المسلمين، وتميزت بها فرق المتكلمين على قول دون سواه، وكل هذا لمعرفة المعنى الحقيقي لها، ونسوا أنها تحمل المعاني، والغاية وما يلغون فيه هو المقاصد، وأنها جاءت من وصف الخالق لما غاب عن إدراك البشر وفاق مداركهم، وهذا ما تمت الإشارة إليه بقوله تعالى {وأخر متشابهات}، بأن الذين في قلوبهم زيغ (وهو الميل عن الحق لما سواه من أنواع الباطل - كالهوى والشك وإتباع الرجال -) يتتبعون المتشابه من القرآن للكلام فيه فقط، وقد عُلم السبب من فعلهم -وهو الزيغ- والغاية هي خلق الفتنة أو إثرائها أو إتباعها في الباطن، وبيان المعاني لا المقاصد بتأويل هذه الآيات في الظاهر استناداً على الأمر بتدبر القرآن، والدليل على زيفهم هو جعلهم هذه المعاني دليلاً على صدق المؤمنين، وقد

<<  <   >  >>