للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاء الحديث مبيناً لها "عن عائشة قالت: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {هو الذي أنزل عليك الكتاب} إلى قوله: {وما يذَّكر إلا أولوا الألباب}، فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" (١)، ولذلك لم يسأل الصحابة عن المتشابه كما سأل عنها الناس بعدهم، والأهم من هذا أنهم لم يسألوا عن المحكم المفهوم لأنه نزل بلغتهم، فمقاصد الشرع واضحة فيه، وليس فيها التأويل على فهمنا بل فيها التأويل على فهمهم، فالمتشابه عندهم لا يدل على فعل هم مطالبون به إلا القصد منه، وهو الإيمان بالله، وهو القصد العام للرسالة، ومن ثم التبليغ، والمحكم يدل على فعل مباشر هم مطالبون به، وهو العمل وما دارت مقاصد الشرع عليه، ومن ثم التبليغ به. "فمن قال: إن التأويل بمعنى التفسير وقف على قوله: (والراسخون في العلم) أي أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه ببيان معناه لغة وشرح ألفاظه، ومن قال: إن التأويل بمعنى حقيقة ما يؤول إليه الكلام وقف على قوله (إلا الله) بمعنى أنه لا يعرف حقيقة ما يؤول إليه المتشابه إلا الله تعالى." (٢) والحق فيها الوقف على (إلا الله) ولكن البعض من أهل هذا الرأي أخذوا هذا الحق مسوغاً للقول بأن في القرآن ما لا يكون مفهوماً للخلق، أو أن في القرآن أسراراً في المعاني، كما أن البعض من أهل الرأي الأول سوّغوا وجود ما لا معنى له في القرآن، كما قالوا عن الحروف المقطّعة، وما قاله البعض من الطرفين هو الباطل، فلا يكون في كتاب الله ما لا معنى له، وحاشا لله أن يكون في كلامه شيء بلا معنى، فالمعاني ظاهرة في كل حرف من القرآن، والمقاصد تتنقل بين المقاصد الظاهرة والمقاصد التي يعلمها الراسخون في العلم، وتأويل القرآن جملة واحدة لا يعلمه إلا الله على الحقيقة، وفي هذا يقول الآمدي:"من قال بجواز


(١) رواه الإمام أحمد (٤٨/ ٦) والبخاري (٣٣/ ٦) ومسلم (٢٠٥٣/ ٤) وأبو داود (٦٠٩/ ٢) والترمذي (٢٢٣/ ٥) وابن ماجه (٢٣/ ١) والكثير من أهل الحديث، واللفظ للبخاري
(٢) الدكتور عبد الله الوهيبي، التفسير بالأثر والرأي وأشهر كتب التفسير فيهما، مجلة البحوث الإسلامية عدد٧

<<  <   >  >>