لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} وتلا ابن عباس:{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} الآية. وقال ابن عباس: سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، فكتموه وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أرَوْه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه." (١)
فالخلل واضح بيّن، أما في المتن فهو عدم ذكر استغراب ابن عباس بقوله وما لكم وهذه؟ إنما نزلت في أهل الكتاب. وأن ابن عباس تلا الآية التي قبلها، ومن ثم تلا الآية المعنية، ومن ثم قال فيها بَيَانًا. وأما في السند، فهو زيادة (أشكل على مروان) من غير ذكر سبب الإشكال، وهذا الحديث جاء فيه بأن مروان قال:(اذهب يا رافع -لبوابهِ- إلى ابن عباس) وهذا بيان بأن السؤال لم يكن من مروان طلباً للعلم، فهو سؤال من فقيه حاكم لفقيه عالم، ولو كان لطلب العلم لذهب بنفسه، لأن الحادثة وقعت وهو أمير وله بوّاب، فإن لم يكن السؤال لطلب العلم، فماذا سيكون إلا لغاية في نفس مروان، ويبين هذه الغاية ما رواه الطحاوي في مشكل الآثار بسند صحيح كالشمس عن رافع بن خديج أن مروان سأله عن تأويل الآية وهو أمير على المدينة،
(١) كذا رواه الإمام أحمد (٢٩٨/ ١) والبخاري (٤٠/ ٦) ومسلم (٢١٤٣/ ٤) والترمذي (٢٣٣/ ٥) والنسائي في الكبرى (٣١٨/ ٦) والطبراني في الكبير (٣٠٠/ ١٠) وابن جرير (٤٧٠/ ٧) وابن ابي حاتم (٨٣٩/ ٣) والطحاوي في مشكل الآثار (٨٦/ ٥) والبيهقي في البعث والنشور (ص٧٨) والواحدي في أسباب النزول (ص١٣٧)، والرواية من غير ذكر "لبوابه" عند ابن جرير (٤٧٠/ ٧) والحاكم في المستدرك (٣٢٧/ ٢)، كلهم من حديث عبد الملك ابن جُرَيج قال أخبرني ابن أبي مليكة أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن مروان بهذا الحديث، وفي رواية عند البخاري (٤٠/ ٦) أخبرني ابن ابي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره بالحديث، وهو خلاف المشهور من رواية ابن جريج، والبواب المرسَل من قبل مروان والمرسِل للحديث مجهول، وهو صادق لعلمنا بما دار في مجلس مروان، أما تسميته برافع فأظنه من الخلط في اسم رافع بن خديج، وأن الأصل فيه أن البواب قال بأن مروان قال له اذهب لابن عباس وقل له كذا، لكلام سمعه من رافع، وهذا يدل على الإرسال في الحديث، لا كما قرر الحافظ ابن حجر في الفتح ج٨ ص٢٣٣ (تفسير آل عمران) بأن الراوي كان من الحضور عند ابن عباس، مع إقراره بجهالة رافع البواب، فليس ما يدل على الاتصال من كلام الراوي أيّا كان، بل الدليل قائم على إرساله بلسان الراوي، وإن كان من المحدثين عن ابن عباس.