ثم قال رجل من الوفد - لقد شهدته قبل موته بعام يا رسول الله وهو على جمل وهو يخطب الناس ويقول: هيهات هيهات - أيها الناس كذب الكاذب وصدق الصادق وقد أفلا فاعتدلا ولا بد من موقف يشهد الشاهد ويحكم الحاكم - أين إحسان المحسنين وإساءة المسيئين - كلا لتجدن كل نفس سعيها - أيها الناس هيهات والله هيهات كذب الأحياء الأموات يسكنون منازلهم فلا يعتبرون ويرون مضاجعهم فلا يتعظون ويأكلون تراثهم فلا يحزنون - ويعلمون ما يعلمون وهم آمنون - أما بعد فإن كل آكل مأكول وكل وراث موروث وكل ساكن ظاعن وكل آمن خائف اليوم يوم وغد يوم فغد سالب واليوم مسلوب والغالب خير من المغلوب - أيها الناس هل أتاكم ما لم يأت آباءكم الأولين أم أخذتم عهداً من السنين أم عندكم من ذلك اليقين - أم أصبحتم من ذلك آمنين - بل والله أصبحتم في غفلة لاعبين - أين الصعب ذو القرنين جمع الثقلين وأداخ الخافقين وعمر ألفين لم تكن الدنيا عنده إلا كلحظة عين من لم يتعظ اتعظ بها - أيها الناس أين الآباء والأمهات والأخوة والأخوات والأبناء والبنات - أما ترون آيات بعد آيات وأمواتاً في إثر أموات إلا وإن علم الغيب باطن ونبأ الخلق ظاهر اضمحلت الأشخاص فذهبت العظام رفاتاً - كلا ليصلحن كل عامل كلا بل هو الله إله واحد - ليس بمولود ولا والد أسكنهم التراب وإليه المآب.
أما بعد فإن الحي حكم بالموت أيها الأشهاد أين ثمود وعاد وأين الآباء والأجداد - أين الظالم والمظلوم - أين الحس الذي لم يسكن وأين الوعيد الذي لم ينتقم وأين الوعد الذي لم يتم - هل تعلمون أين ذهب أبرهة ذو المنار وعمرو ذو الأذعار - أن تردون ما صار إليه عبادة الفتاح وأذيتة الصباح وجذيمة الوضاح - عزوا