قد كتب على أهل المشرق والمغرب، فطلع لقمان ذلك الجبل حيث وصف الذي ناداه، فإذا هو بوكر نسر فيه بيضتان قد تفلقتا عن فرخيهما، فاختار أحد الفرخين وعقد في رجله سيراً ليعرفه به وسماه مغيباً، ثم قال: أنت المغيب - كما سماك من لا يكذب - عيشك معي العيش المخصب ويزاح عنك المكد المخرب وأنا عليك حدب في بقائك مرتقب، فكن أبقى ممن قد ذهب. فكان لقمان لا يغفل عن إطعامه حتى نهض طائراً له يدعوه باسمه للمأكل فيجيبه حتى إذا كبر وضعف ودعاه لقمان ذات يوم من رأس الجبل فلم يجبه، فطلع إليه فوجده ميتاً. هاله ذلك من موته هولاً شديداً ونزل به كرب عظيم فأنشأ لقمان يبكي نفسه وهو يقول:
أملت ما لا أناله أبداً ... إذ أزم الرأي نال ما طلبا
مرثد نلت العلي ونلت بلا ... أرعى نسوراً بقاؤها عزبا
أرعى نسوراً لم يرعها أحد ... قبلي كأني بذاكم نصبا
أن تقبلي وادياً فالسدر يقلعها ... كي لا يصد القرى به جدبا
أودين عنا فصرت في عمر ... رث القوى واهياً وما انتصبا
لا مغيب كاسمه فيا عتب ... بل زاد قلبي اقراحه ندبا
أورثتها بالذي كسبت وذا ... اللحوم له غبطة بما كسبا
على شقائي إذ صرت أسفاً بما ... خيرت جهلاً لا ينقضي عجبا
قد نال منه السرور والفضل في ... أسرابه والشقي قد كتبا
[النسر الخامس]
فبينما لقمان في تلك الحال يبكي نفسه، إذ سمع منادياً يقول: يا