حسان تبع مستنصراً به فوجه جيشاً إلى اليمامة - وتسمى يومئذ جوا - وكان بها امرأة يقال لها زرقاء اليمامة تبصر الراكب على مسيرة ثلاثة أيام وباسمها سميت اليمامة. فلما خافوا أن تبصرهم قطعوا الشجر وجعل كل واحد منهم بين يديه شجرة. فنظرت إليهم اليمامة فقالت: يا جديس لقد سارت إليكم الشجر وأتتكم حمير. فقالوا: وما رأيت؟ فقالت رأيت في الشجر رجلاً معه كتف يأكلها ونعلاً يخصفها، فكذبوها. فصحبهم حمير فأوقعت بهم وقعة أفنتهم إلا يسيراً. وسار حسان بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم العرب والعجم حتى إذا كان بأرض العراق كرهت حمير المسير معه وأرادوا الرجعة إلى بلادهم، فكلموا أخاً له يقال له عمرو - وكان معه في جيشه - وقالوا: اقتل آخاك حسان وتملك أمرنا ونرجع إلى بلادنا. حتى أجابهم وأجمعوا على ذلك غير رجل يقال له ذو رعين الكلاعي فإنه نهاه عن ذلك، فلم يقبل منه فقال في ذلك:
إلا من يشتري سهراً بنوم ... إلا من لا يبيت قرير عين
فأما حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين
ثم كتبهما في رقعة وختم عليها وقال له: أيها الملك احبس هذه عندك فمسك الرقعة وقتل أباه وتابعته حمير ورجع إلى اليمن ومعهم وولي.
[عمرو بن تبان ملك متوج]
وملك عمرو بن تبان فمنع النوم فشكا ذلك فقيل له: لا يأتيك النوم حتى تقتل من أمرك بقتل أخيك - فنادى في أهل مملكته - أن الملك يريد أن يحدث عهداً، فاجتمعوا إليه وأقام لهم الرجال وقعد في مجلسه وأمرهم