لقمان بن عاد لك في الجبل اليسر بين منبت الشت والعرعر فوق الشاهق الأغر، فأخرجه منه واستبشر فبطاعتك قد أمر وإلى الموت يصير البشر فطلع لقمان الجبل، فإذا هو بوكر فيه بيضتان تفلقتا عن فرخين فاختار أحد الفرخين وعقد في رجله سيراً ليعرفه - وسماه ميسرة - ثم قال: أنت الميسر الباقي المحبب إليك اليسر انك النسر الباقي بقاه الدهر وكان لقمان لا يغفل عن إطعامه حتى نهض طائراً مسخراً له يدعوه باسمه فيجيبه للمأكل حتى أدرك ذاك النسر الكبر وضعف، فدعاه لقمان ذات يوم ليطعمه فأقبل نحوه كاسراً فوقع على منكبه يصيح ومعه لحمه قد بضعه له، ثم حركه لينهض فلم يطق أن يطير، فذهب لقمان فجمع له عيداناً لينحت له قفصاً يجعله فيه فوجده ميتاً. فهاله لقمان موته وجزع لذلك جزعاً شديداً كادت أن تذهب نفسه فأنشأ يقول:
دنا الموت إذ نشاب موتي شوارع ... إلي بنيران المنايا تسعر
رجوت بأن أبقى وعمر ميسر ... ففات وأودى مفرد إلى ميسر
فصرت أرجي واحداً بعد واحد ... نسور وهل تبقى على الدهر أنسر
فلا تعجبوا بالرأي بعدي فإنني ... جهدت اختياراً حين نادى المخير
فقلت ستبلى بعرة الضأن ذلة ... ولم اك فيما كان مني أفكر
وتبقى نسور سبعة كل واحد ... طيل المدى يوقى الردى ويعمر
ولو عشت أضعاف الذي عشت لم يكن ... من الموت بد ذاك حتم مقدر
وما هو آت قبل ورد حلوله ... على غفلة مني به لست أشعر
كأني على ما ينقضي من سنيننا ... وطول زمان قد مضى لست أذكر
فما قد مضى ينسى وما هو آتى ... قريب وصافي العيش قد يتكدر