ثم أقبل على عمير بن مرثد أبو ذؤيب الهذلي يعزيه فقال: يا عمير بنيت وهدمت وقمت وقعدت ورضيت وسخطت، ألا وإن كل بان هادم وكل قائم قاعد وكل مسرور ساخط وكل قريب شاسع وكل مقيم ظاعن. - يا عمير - إنما الخلق للخالق والأمر للآمر والشكر للمنعم والتسليم للقادر - فلا بد مما هو كائن. - يا عمير - لا أضعف من مخلوق ولا أقوى من خالق ولا أهون من مطلوب في يدي طالب - يا عمير - إن التفكر نور والغفلة ظلمة والجهل سفه والحلم أناة، الأول سابق والآخر تابع - والسعيد ومن وعظ بغيره - يا عمير - كم رأيت من قريح ولم يترك قريحاً - ياعمير - كم نازحاً من ريبه ومدركاً من طلبه مسلماً من دهره ممتعاً من سنه رمته أيدي الردى بطارق من عطبه والدهر لا يقلع عن حوادث من عجبه (من ير يوماً ير به والدهر لا يغتر به) - يا عمير - ذهب عنك ما تريد وآتاك ما لا تريد - يا عمير: - آتاك ما لا يدفع وذهب عنك ما لا يرجع ومعك ما سيذهب عنك - يا عمير: - أنظر إلى طبقات حالاتك من لدن من في صلب أبيك إلى أن بلغت منزلة الشرف وحد العقل وغاية العزيمة، هل قدرت أو قدروا أن ينقلوك إلى طبقة قبل أن تعطاها وتعجيل نعمة قبل أوان محلها، أين
أهل الملك الأول بنو وائل بن حمير ذووا الأحلام المحمودة والآلاء الموجودة أهل التيجان ملوك الأزمان، هل وجدوا إلى ما أحبوا سبيلاً وتركوا إذا أصبحوا مقيلا وأخذوا مما جمعوا قليلاً - يا عمير: - إن أكمل العدد عند المصائب الصبر وأعظم البديل منها الأجر - يا عمير: - أين مفر الهارب وهو يتقلب في يدي الطالب، ولا شيء أعجز ممن لم يجد مهرباً من طالبه إلا إليه - ياعمير: - لا تخلق عزم