قال معاوية: فهل كان في ذلك الوقت يعرف موضعه؟ قال عبيد: نعم يا معاوية. قد كان موضعاً منذ وضعه الله لآدم إلى أن بناه إبراهيم عليه السلام معروفاً مكانه، ولم مبيناً يومئذ. فلما أجمعت على المسير إلى مكة ليستسقوا جهزوا من عظمائهم وأشرافهم وذوي أحسابهم سبعين رجلاً. ثم وضعوا على السبعين أربعة منهم قيل بن عنز وهو رأسهم وصاحب أمرهم ولقمان بن عاد - هو صاحب النسور - وأبو سعيد مرثد ابن سعد - وهو خير النفر - وجلهمة بن الخيبري. فساروا حتى أتوا مكة - وسكانها يومئذ العماليق - وهم يومئذ ملوك الحجاز وأرضها، فنزلوا على رجل منهم يقال له بكر بن معاوية بن بكر وجميع ولده
وكانت أخت لبكر بن معاوية وهي هزيلة ابنة هزال بن معاوية متزوجة في عاد وزوجها أبو سعيد المؤمن مرثد بن سعد، فولدت عمراً وعامر وعميراً أبناء مرثد بن سعد وهي وولدها التي نجت من العذاب يوم الريح - وبنو أبي سعيد هؤلاء هم عاد الآخرة - فلما قدم وفد عاد إلى الحرم نزلوا على صهرهم بكر بن معاوية وابنه معاوية، وكان منزلهما بظهر مكة خارجاً من الحرم ففرحا بالوفد وأكرماهم وأحسنا منزلتهم عند ابن أختهم معاوية ابن بكر. وكان معاوية قد كبر وضعف وكانت الرئاسة لابنه بعده، فأنزل أخواله وحبسهم عنده شهراً يأكلون الخبز واللحم ويشربون الخمر وتغنيهم قينتان يقال لهما الجرادتان - ويقال إنه أول من اتخذ القينات في الأرض للغناء - وكان أكثر العرب مالاً في زمانه. فأقبل وفد عاد في اللهو والشراب وتركوا ما جاءوا له. فلما رأى ذلك معاوية بن بكر غمه ذلك