به، وسماه خلفاً، ثم قال: أنت الخلف كما وصفك من وصف احترازاً من التلف وأبقى مما قد سلف ولك عندي أفضل النصف. وكان لا يغفل عن إطعامه حتى نهض طائراً مسخراً له، يدعوه للطعام فيجيبه، حتى إذا أدركه الكبر وضعف ولم يقدر أن يطير، أخذ له لقمان قفصاً يحمله فيه حيثما توجه ويطعمه فيه - ويقال إنه يا معاوية أول من حمل طائراً في قفص - فينما لقمان في مجمع عكاظ ومعه نسره ذلك في قفصه، إذا اجتمع إليه من حضر من العرب بعكاظ وطلبوا إليه أن يريهم نسره. فبينما هم
يلبونه وينظرون إليه إذ مات النسر في أيديهم وبينهم، فاغتم لقمان لموته وجزع عليه جزعاً شديداً وانحل جسمه وقافي ذلك شعراً:
يا نفسي أبي عليه أن تجدي ... عند اختياري أن عندي لك النصفا
اخترت من هفوتي بلا حدث ... ولا احترام متى لك التلفا
عليك ابكي إذ صرت نصب الردى ... ولست ابكي بعبرتي خلفا
أيقنت أن النفوس لاحقة ... لا شك في ذا كم بمن سلفا
والموت لاشك فيه يطلبني ... وهو مدركي وملحقي قرفا
عيناي لا تبخلا بد معكما ... علي بل فاهطلا به وكفا
وأسعداني بمسيل سرب ... محدراً دانياً ولا تقفا
فمن عليه يجود دمعكما ... بعدي بإدراره وإن نزفا
واستعبرا بالدما بقاءكما ... ولا تضنا به فقد أزفا
موتي فجودا لمهبع درر ... من نهر جرت بالشيخ معترفا
ثلاثة كلهم قد كن لي حزنا ... وصيرت نفسي للردى لها هدفا
فما نجاتي من مدركي هربا ... ومن غلوب علي قد عكفا
فالقلب مني لخوف سطوته ... واحدة في الوقت قد رجفا
والخوف منه أن سوف يلحقني ... في غفلتي سادراً قد التحفا