للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوق الصفا الأسود حيث الشجر المتلبد خلصة بيت الرشد فرخ به وفاء الموعد مأمور بطاعتك فاصعد. فصعد لقمان رأس ذلك الجبل، فإذا هو بوكر نسر فيه بيضتان قد تفلقتا عن فرخيهما فاختار أحد الفرخين وعقد في رجله سيراً ليعرفه به وسماه لبداً وقال: أنت لبد الباقي المخلد إلى آخر الأبد عيشك معي رغد ويزاح عنك النكد ويوفق لك الرشد وعمرك لا ينفد - وكان لقمان لا يغفل عن إطعامه - حتى نهض طائراً مسخراً له يدعوه باسمه للمأكل فيجيبه حتى أدركه الكبر وضعف.

وبلغني يا أمير المؤمنين أن رجلاً من عاد الآخرة جاء إلى لقمان فقال له: يا عم ما بقي من عمرك غير هذا النسر، فقال: يا ابن أخي هذا لبد. قال معاوية: لله أنت ما اللبد؟ قال عبيد: يا أمير المؤمنين قد علمت أن اللبد في لغة العرب الدهر. سمعت ابن عمك عبد الله بن عباس يقول: ويذكر في كتاب الله عز وجل يقول {أهلكت مالا لبداً} يقول كثيراً. قال معاوية: صدقت فخذ في حديثك. قال عبيد: فلما دنا أجل لقمان وبلغ الميقات، أقبل ذلك النسر لبد حتى وقع على شجرة النتظب فدعاه ليطعمه من لحم قد بضعه. فأراد لبد أن ينهض فلم يطق أن يطير، فأقبل لقمان فزعاً مرعوباً حتى قام حتى وقال (انهض لبد أنت الأبد لا يقطع بي الأمد نهضاً شدد نهض الملك المجرد الحارث بن ذي شدد). قال معاوية: لله أبوك من الملك المجرد الإرث بن ذي شدد الذي يعني؟ قال عبيد: يا أمير المؤمنين هو الرائش ملك من ملوك حمير باليمن - فإن شئت حدثتك حديثه - قال معاوية: بن

أتم حديثك حتى أسألك عما أريد - إن شاء الله تعالى - قال عبيد: فلم يطق لبد أن ينهض وتفسخ ريشه، فهال ذلك لقمان هولاً عظيماً ووقع موته موقعاً جسيماً، فأنشأ لقمان يبكي نفسه ويقول:

<<  <   >  >>