عُنِيَ عُلَمَاءُ السُنَّةِ السَّابِقِينَ كما رأينا - أحسن اللهُ إليهم وأثابهم خيرًا - بكل ما يجب وَيُنْدَبُ وَيُسْتَحَبُّ من رواية الحديث وحفظه وتدوينه في المسانيد، والجوامع، والسنن الجامعة، والخاصة بالعقائد والأحكام، وإفراد الصحاح منها، وإتمامها بالمستخرجات، والمستدركات عليها، ووضعوا المعاجم لمفرداتها، ولأوائلها لتسهيل المراجعة، وسبقوا جميع الأمم في ذلك، وتركوا لنا ثروة واسعة في ضبط السُنَّةِ لَمْ يُوَفَّقْ لِمِثْلِهَا وَلاَ لِمَا يَقْرُبُ مِنْهَا أحد من أتباع الأنبياء والمرسلين، يَسَّرَتْ لمن بعدهم التَفَقُّهَ فيها والاستنباط منها في كل زمان يحتاج إليه أهله. ومن صُوَرِ عنايتهم بالحديث فهرسته، وقد وضعوا في ذلك مئات الكتب، وسنعرض فيما يلي لنشأة هذه الحركة العلمية وتطورها عبر القرون.
يُعْتَبَرُ المسلمون أسبق الأمم جميعًا لعلم الفهرسة، وقد ابتدأوا ذلك في القرن الثاني بترتيب كتب الأحاديث ورجالها، ومفردات القرآن الكريم، واللغة العربية وسائر العلوم ضمن معاجم على حروف الهجاء، وَمِمَّنْ ساهم في إرساء أصول علم الفهرسة الخليل بن أحمد (١٧٥ هـ) واضع كتاب " العين "، والإمام محمد بن عزيز السِّجِسْتَانِي (٣٣٠ هـ) الذي وضع كتابه " غريب القرآن " وجمع فيه المفردات القرآنية وشرحها على ترتيب حروف الهجاء، ومنهم ابن دُريد (٣٢١ هـ) الذي أَلَّفَ كتاب " جمهرة اللغة "، وهو معجم لغوي مُرَتَّبٌ على