ومثل ذلك - بل من باب أولى - ما لم ينص أهل الاختصاص على درجته من حيث القبول والرد.
فما كان رواته ثقات، ولم يظهر فيه انقطاع، وسلم من الشذوذ والعلة في سنده ومتنه، فهو صحيح أو حسن، حسب مرتبة الرواة في الضبط والإتقان.
وما كان فيه ضعف أو مُبْهَمٍ، أو كان فيه انقطاع، أو شذوذ، أو علة في متنه أوسنده، فهو مردود، محكوم عليه بالضعف، وإن كان الضعف نفسه يتفاوت شدة وخفة.
ومن المقرر المعلوم أن النص على ضعف حديث بسند معين، لا يعني ضعفه بالإطلاق، فقد يكون المتن مَرْوِيًّا من طريق أو طرق أخرى قوية، عن هذا الصحابي، أو عن غيره من الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، إلا أن ينص الحفاظ على أنه لم يرو بغير هذا السند.
ومعنى هذا أن من حق العلماء في هذا العصر أن يُصَحِّحُوا أَوْ يُحَسِّنُوا من الأحاديث ما لم ينص عليه الأئمة السابقون، ما داموا أهلاً لذلك بِتَبَحُّرِهِمْ، وقوة معرفتهم، وسعة آفاقهم، كما أن لهم أن يجتهدوا في استنباط الأحكام منها ما يلائم عصرهم، مِمَّا يُحَقِّقُ مقاصد الشرع، ومصالح الخلق، وإن لم يسبقهم إليه إمام متبوع. ولا حرج على فضل الله. ولا تحجر ما وسع الله، خلافًا لمن قال يومًا بِسَدِّ باب الاجتهاد في الفقه، وباب التصحيح في الحديث.
ونحن بهذانخالف الحافظ تقي الدين ابن الصلاح، صاحب " المقدمة " المشهورة في (علوم الحديث) فقد ذهب إلى أن التصحيح مقصور على المُتَقَدِّمِينَ من علماء الأُمَّةِ، وليس للمتأخرين أن يستقلوا به.
بل نحن مع المُحَقِّقِينَ، الذين خالفوه في هذه القضية، نظريًا وعمليًّا، فَصَحَّحُوا وَحَسَّنُوا وَضَعَّفُوا.
والحق أنه لا سند لابن الصلاح فيما ذهب إليه، ولا دليل معه، والمدار على الأهلية، وقد يوجد في عصرنا نحن من الوسائل ما لم يكن مثله مَيْسُورًا للسابقين.
ومن المُهِمِّ أن نلقت الانتباه إلى بعض القضايا التي تتفاوت فيها الأنظار، وَيُؤَدِّي