عدم وضوح الرؤية فيها، إلى بلبلة واضطراب في معايير التصحيح والتضعيف.
من ذلك: قضية (تعدد الطرق الضعيفة للحديث)، هل تُوصِلُ إلى الصحة أو الحسن المُحْتَجِّ به أم لا؟
فالشائع عن الكثيرين أن كثرة الطرق يُقَوِّي بعضها بعضًا، بحيث يرتقي بالحديث إلى درجة الاحتجاج به.
بل بالغ بعضهم في جمع هذه الطرق الضعيفة الواهية لبعض الأحاديث، وركب في ذل الصعب والذلول. وأجلب بخيله ورجله، ليخرج في النهاية بنتيجة غريبة، هي: أن الحديث المتواتر!! برغم طرقه ليس فيها طريق واحد صحيح، ولا خَرَّجَهُ واحد من الشيخين.
ولا ريب أن هنا قدرًا متفقًا عليه، وقدرًا مختلفًا فيه.
فالمتفق عليه أن ما كان ضعفه لفسق أحد رواته، أو اتهامه بالكذب، أو نحو ذلك، فلا يؤثر فيه موافقة غيره له، إذا كان الآخر مثله، لقوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن التأثير فيه.
أما إذ كان الضعف لإرسال، أو تدليس أو جهالة رجال، فإنه يزول بمجيئه من وجه آخر سالم من سبب الضعف المذكور، ويرتقي به.
وكذلك إذا كان للمتن شاهد أو أكثر، سالم من الضعف، من حديث رَاوٍ آخَرَ من الصحابة.
وأما ما ليس كذلك فمجرد تعدد الطرق الضعيفة وكثرتها، دون اعتبار آخر، لا يرتقي بها إلى القوة بإطلاق.
وهنا نرى مثل البخاري ومسلم، لا يصحح أحدهما حديثًا لمجرد وُرُودِهِ من عدة طرق.
ونرى الترمذي يُضَعِّفُ الحَدِيثَ، مع أن في الباب أحاديث، مثله عن عدد من الصحابة.