ونرى مثل ابن الجوزي يذكر في " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " الحديث عن جمع من الصحابة بعدد من الطرق، وَيُضَعِّفَهَا جَمِيعًا، وَلا َ يُقَوِّي بَعْضَهَا بَعْضًا.
ونرى الفقهاء يَرُدُّونَ الحديث المروي بسند ضعيف، ولا يبحثون: هل رُوِيَ من طرق ضعيفة أخرى يقوي بها أم لا؟
بل تراهم يردونه ولا يقولون به، وهم يعلمون أن له العديد من الطرق، التي لا تبلغ طريق منها بمفردها درجة الاحتجاج. وكثيرًا ما تجدهم يقولون هذه العبارة: ورد من عدة طرق، وكلها لا تسلم من مقال.
خُذْ مَثَلاً حَدِيثًا مِثْلَ:«لاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى» فقد رواه حم، د، ت في " العلل "، جه، قط، ك، هق، وابن السكن من حديث أبي هريرة وصححه الحاكم، وتعقبوه في تصحيحه. وقد روي من حديث أبي سعيد، وسعيد بن زيد، وعائشة، وسهل بن سعد، وأبي سبرة، وأم سبرة، وعلي، وأنس. وبعضها جاء من أكثر من طريق ... ومع هذا لم يرق الحديث عند جمهور الفقهاء: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، ورواية عن أحمد إلى درجة الصحة، أو الحسن الذي يؤخذ منه وجوب التسمية في الوضوء.
بل روي عن أحمد: أنه سئل عن التسمية، فقال:«لاَ أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا صَحِيحًا». وَرُوِيَ عَنْهُ:«لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَثْبُتُ». قال البزار:«كُلُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا البَابِ فَلَيْسَ بِقَوِيٍّ». وقال العقيلي:«الأَسَانِيدُ فِي هَذَا البَابِ فِيهَا لِينٌ».
وقد أطال الحافظ الزيلعي في تخريج الحديث وبيان طرقه في " نصب الراية " وكذلك الحافظ ابن حجر في " التلخيص ". والنتيجة: أن كثرة الطرق وتعددها لَمْ تَرْقَ بالحديث إلى درجة الاحتجاج به، عند جمهور الأئمة.
ولو أردنا أن نضرب الأمثلة، لطال بنا القول.
ولهذا أرى أن الحديث الضعيف لا يتقوى بكثرة الطرق إلا بقيود، منها:
١ - أن يكون ضعفها مقاربًا، قابلاً للانجبار أو محتملاً للتحسين.
٢ - ألا ينشئ حكمًا مستقلاً من الأحكام الشرعية، وخصوصًا الإيجاب والتحريم.