للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام التوسل من حيث المشروعية]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد: والوسيلة والوصيلة تتشابهان وتتلازمان إذ السين قريبة من الصاد فتأخذ حكمها تحل محلها.

وقد تقدم التوسل توسلان: توسل مشروع، وتوسل ممنوع، وقد تكلمنا عن التوسل المشروع، وسنتكلم هنا إن شاء الله عن التوسل الممنوع.

وقد ذكرنا أن التوسل عبادة، بدليل قوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة:٣٥] فقوله: ((وَابْتَغُوا)) أمر، وظاهر الأمر الوجوب، وإن الله لا يأمر إلا بما يحب، وما يحبه الله يدخل تحت مسمى العبادة؛ لأن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.

قلنا بأن الدعاء التوسل عبادة، صرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك، فالتوسل المشروع كالتوسل بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وبالإيمان به جل في علاه كما قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمران:١٦].

وكالتوسل بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاء الصالحين عموماً، وكالتوسل بالعمل الصالح كما صنع أصحاب الغار.

وكالتوسل بحال المرء كما قال الله تعالى عن أيوب {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:٨٣].

وكذا موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:٢٤] أي: فأنا أدعو بفقري ولا غنى لي عن بركتك.

والتوسل الممنوع منبثق عن القاعدة المذكورة آنفاً عن الوسيلة: أن صرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك، فهو من صرف الوسيلة لغير الله جل وعلا.

والتوسل الممنوع نوعان أو قسمان: قسم شركي، وهذا شرك محض.

وقسم بدعي.

وليس الفرق بينهما كما يزعم البعض أن التوسل الشركي يخرج صاحبه من الملة، والتوسل البدعي لا يخرج صاحبه من الملة، بل بينهما عموم وخصوص، إذ إن كل بدعة شرك وليس كل شرك بدعة.

والحاصل: أن التوسل الشركي يخرج صاحبه من الملة، أما التوسل البدعي فهو قسمان؛ لأن البدعة بدعة مكفرة وبدعة مفسقة، فالبدعة المكفرة ستدخل مع التوسل الشركي.

<<  <  ج: ص:  >  >>