للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين التوسل والاستغاثة بغير الله]

إن هذا الكتاب العظيم يختص بتوحيد العبادات.

قبل أن أدخل على الكتاب أذكر قاعدةً مهمةً جداً ألا وهي: إن كل عبادة ثبت بالشرع أنها عبادة فصرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك.

وهذا قوام كل ما سنأتي عليه بالتفصيل، ومعنى (ثبت بالشرع) أي: بالكتاب أو السنة، وبالمثال يتضح المقال: قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠] فقوله: (ادعوني) فيه دلالة على أن الدعاء عبادة صرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك.

أولاً: نثبت أن الدعاء عبادة بالدليل، قال الله تعالى: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، أو قال: (الدعاء مخ العبادة).

إذاً: لدينا حديثان وآية، الآية قوله تعالى: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) والحديث: (الدعاء مخ العبادة) وهو حديث ضعيف، والحديث الصحيح هو: (الدعاء هو العبادة).

ونريد تطبيق القاعدة السابقة على عبادة الدعاء، والمثال: لو أن رجل نزلت به البلايا فاعتكف في المنبر ودعا ربه عز وجل فقد أتى بالتوحيد عملاً بقول الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢].

لكن هناك رجل ذهب إلى البدوي يدعوه مخاطباً: فقال يا بدوي، أنت عند ربك الآن، وأنت ولي من أولياء الله الصالحين، وإن الكربة قد نزلت بي فأرجو أن تدعوَ الله لي أن يكشف عني هذه الكربة، وهذه كرامة لك؛ لأنك من أولياء الله الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فهل هذا الرجل الآن صرف العبادة لغير الله، أم لم يصرفها لغير الله؟ قبل الجواب نتذكر القاعدة وهي: أن كل عبادة ثبت بالشرع أنها عبادة فصرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك.

نذكر مثالاً آخر ليتضح المقال أكثر: جاء رجل آخر إلى البدوي وقال له: يا بدوي! نزلت بي الكربة فاكشف عني هذه الكربة وأعطني.

فما هو الفرق بين المثال الأول والمثال الثاني؟

الجواب

إننا قلنا: إن العبادة إذا ثبت بالشرع أنها عبادة فصرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك، فالأول عندما قال للبدوي: يا بدوي! أنت قريب من ربك، ادع الله أن يكشف عني الكربة، فهو لم يدع البدوي، وهذه هي مسألة التوسل، وهي مسألة أخرى سنتكلم عنها، وواجب على طلبة العلم وغيرهم أن يعرفوا التفريق بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر، وبين التوسل والاستغاثة والطلب، فالأول لما ذهب إليه وقال: ادع الله لي ففعله هذا توسل وليس بدعاء، فهو ما طلب منه أنه يجلب له الخير، أو يدفع عنه الضر، بل طلب من الله أن يدفع عنه الضر ويجلب له الخير، ولكن عن طريق دعاء هذا الولي، فيعتبر هذا توسلاً وليس من الاستغاثة وإن كان بينهما عموم وخصوص.

وفي الصورة الثانية: عندما قال الرجل: يا بدوي! اكشف عني الكربة، فقد صرف عبادة لغير الله، وهذه العبادة هي الدعاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>