للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:

[الدلالة على أن القسم بغير الله شرك أصغر]

هناك دلالات تبين أنالحلف بغير الله شرك أصغر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له كفارة، والشرك الأكبر ليس له كفارة إلا أن يتوب منه ويعود إلى الإسلام؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود وأصله في الصحيح: (من قال لأخيه: تعال أقامرك فليتصدق، ومن حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله)، كفارة ذلك أن يقول: لا إله إلا الله.

كذلك القسم بغير الله ذريعة للشرك الأكبر؛ لأنه وسيلة إلى تعظيم المحلوف به، فيكون شركاً أكبر إذا اعتقد في المقسم به ما لا يعتقد إلا في الله، كغلاة الصوفية الذين يظهر فيهم التعظيم لغير الله جل في علاه، فإذا قلت لأحدهم: احلف بالله على مسألة كذا حلف بالله كأنه لا يخشى الله، وكأنه لا يعتقد بأن الله قادر على أن يصرف لسانه، أو أن يقطع دابره، أو أن يؤذيه في نفسه إن حلف بالله كاذباً.

ثم إذا قيل له: احلف بـ البدوي على هذه المسألة ارتجفت وارتعدت فرائصه ولم يفعل ذلك، كأنه يعتقد بأن البدوي يقدر أن يضره بقسمه به كذباً.

فهذه فيها دلالة واضحة أنه اعتقد في البدوي ما لا يعتقد إلا في الله، فينتقل من الشرك الأصغر إلى الشرك الأكبر، ويكون الظاهر منه مرتبطاً بالباطن؛ لأنه إذا فعل ذلك دل بفعله الظاهر أنه لم يعظم الله في الباطن، فأخذناه بالظاهر وبالباطن.

إذاً: الشرك أو القسم بغير الله شرك أكبر، وشرك أصغر، فالأصل فيه: أنه شرك أصغر لا يجوز بحال من الأحوال، والعارض: أن قد يكون شركاً أكبر، وهذا بالدلالة والقرائن.

إذا قلنا بذلك: فهناك إشكال لا بد من حله، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه الأعرابي فقال: (يا محمد! آلله بعثك؟ قال: الله بعثني.

قال: آلله افترض علينا خمس صلوات في اليوم والليلة) إلى آخر هذا الحديث إلى أن قال: (والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح وأبيه إن صدق).

والواو هذه واو القسم، فما هو حل هذا الإشكال: (أفلح وأبيه)، مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد أشرك)؟ الإشكال الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رجل بطعام من رقية شرعية قال: (كل فلعمري لمن أكل برقية باطل فلقد أكلت برقية حق)، الشاهد قوله: (فلعمري)، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقسم هنا بعمره، والقسم بالحياة حرام؛ لأننا قلنا: إن ابن عباس يقول في قوله: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح:١٣] هو الذي يقول: وحياتي وحياة أمي وحياة أبي، فهذا كله لا يجوز، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فلعمري) فأقسم بعمره فكيف الإجابة على هذه الإشكالات؟ نترك هذين الإشكالين إلى درس قادم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

<<  <  ج: ص: