اعلمْ أنَّ أصل هذا الباب قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فِي الحديث الصحيح:((كُلُّ شيء يَلهُو بهِ ابن آدم باطِلٌ إلا رَميَه بقَوْسِه، وتأدِيبَهُ فرَسَه، مُلاعَبَته امرأته)) (١)؛ وذلك لأنَّه أفاد أنَّ كلَّ ما يَتلهَّى به الإنسان ممَّا لا يفيد فِي العاجل والآجل فائدة دينيَّة فهو باطل، والاعتراض فيه متعيِّن إلا هذه الأمور الثلاثة، فإنَّه وإنْ فعلها على أنَّه يتلهَّى بها وليستأنس بها وينشط، فإنها حقٌّ؛ لاتِّصالها بما قد يفيد، فإنَّ الرمي بالقوس وتأديب الفرس فيهما عونٌ على القِتال، ومُلاعبة المرأة قد تُفضِي إلى ما يكون عنه ولد يُوحِّد الله ويعبده؛ فلهذا كانت هذه الثلاث من الحق وما عداها من الباطل، وحينئذٍ يتَّضح بذلك ما يأتي من التحريم في الأقسام الآتية.
وقال الخطابيُّ فِي الكلام على نحو هذا الحديث: وفي هذا بيانٌ أنَّ جميع أنواع اللهو محظورةٌ وإنما استثنى - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذه الخِلال من جُملة ما حرم منها؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ منها إذا تأمَّلتها وجدتها مُعِينة على حقٍّ أو ذريعة إليه، ويدخُل فِي معناها ما كان من المثاقفة بالسلاح والشدِّ على الأقدام ونحوهما ممَّا يَرتاضُ الإنسان به ويتقوَّى به على مُجالَدة العدوِّ، لا كما فِي سائر ما يتلهَّى به البطَّالون من أنواع اللهو؛ كالنرد، والشِّطرَنج، واللعب بالحمام [ز١/ ٣٨/أ] وسائر ضُروب [اللهو] ممَّا لا يُستعان به في حقٍّ [فمحظورٌ] كله، ا. هـ.
(١) أخرجه أبو داود (٢٥١٣)، والنسائي (٦/ ٢٢٢)، وابن الجارود في "المنتقى" (١٠٦٢)، والحاكم في "المستدرك" (٢/ ١٠٤)، وأبو عوانة (٤/ ٥٠٤)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٣)، من طريق عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا أبو سلام الأسود، عن خالد بن زيد، عن عقبة بن عامر، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرِجاه، لكن قال المناوي في "فيض القدير" (٢/ ٢٩٩)، فيه خالد بن زيد قال ابن القطان: وهو مجهولُ الحال، فالحديث من أجله لا يصحُّ.