للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القسم التاسع: الضرب بالأقلام على الصيني أو بإحدى قطعتين منه على الأخرى:]

اعلَمْ أنَّ هذا النَّوع قد اشتَهَر فِي هذه الأزمنة بين أهل الفُسوق والشَّرَبة للخُمور؛ حتى صار من أظهر شعارهم فِي مَعاصِيهم وعلى شُربهم واجتماعهم بالقَيْنات والغِلمان، وتركوا من أجله كثيرًا من ذَوات الشُّعور والأوتار؛ لما وجدوا فيه من اللذَّة التي فاقَتْ سائِرَ اللَّذَّات؛ لما فيها من البدائع والترقيقات، والصوت العجيب والطرب الغريب، كما يَزعُمون كلَّ ذلك، ويعترفون بأكثر ممَّا هنالك، ويدلُّ على هذا تغالُبهم على سماعه وحُضوره، ووزنهم النقود الكثيرة لضاربه ليحظوا بلذَّة صوته وفُجوره؛ فلذلك [ز١/ ٢٤/أ] عَظُمَ الخطب فيه، وتعيَّنت المبالغة فِي زجْر مُتَعاطِيه؛ لعلَّهم ينفكُّون عن تلك القبائح التي لا تَتناهَى، وينزَجِرون عن مَعاصِيهم وسَفاهاتهم التي أشغلتْ نفوسهم عن رُشدها وتَقواها؛ فلذلك أفتيتُ غيرَ مرَّة بِحُرمة ذلك، وأنَّه مُلحَقٌ بذوات الأوتار فِي حُرمتها الأكيدة وعُقوبتها الشديدة؛ لما قدَّمته من أنَّ لذَّة هذا وإطرابَه فاقَ لذَّة تلك وإطرابها، وقوانينه ونغماته أنساهم قوانين تلك ونغماتها، وقد بلغني لَمَّا أفتيتُ بذلك عن بعض مَن يزعُم أنَّ له نوعًا ما من فضيلة أنَّه اعتَرضَ ذلك الإفتاء بِخُرافات تُضحِك الناس عليه، وتشدُّقات تجرُّ وَبال الخِزي والبَوار إليه، على أنَّ هذا منه ليس لكونه مسألة علميَّة يتعرَّف حُكمَ الله فيها، وإنما هو لأنَّه كان جعَل سماع ذلك شبكةً يتصيَّد بها غِزلان القاذورات، ويتحيَّل بها على استِجلاب المخمورين والمخمورات، فلمَّا أنْ ظهر الإفتاء بِحُرمة ذلك تعطَّلت عليه أغراضُه، واستحكمتْ أهويته وأمراضُه؛ فأحبَّ أنْ يُغيِّر فِي الوجوه الحسان؛

<<  <   >  >>