للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقولُ الناس، فالله أعلم ما كان ذلك البيت وما كان ترنُّمه وصفته (١)، وصَحَّ عن عثمان - رضِي الله عنه -: "ما تَغَنَّيْتُ وما تَمَنَّيْتُ)) (٢)؛ أي: زنيت، فإطلاق القول بنسبة الغناء المتنازع فيه وإسماعه إلى أئمَّة الهدى تجاسر، ولا يفهم الجاهل منه [إلا] هذا الغناء الذي تَعاطاه المغنُّون المخنَّثون ونحوهم.

وقال الشيخ الإمام إبراهيم [ز١/ ٩/ب] المروزي فِي تعليقه: وَعَنْ عمر، وعبدالرحمن بن عوف، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي مسعود الأنصاري، أنهم كانو يترنَّمون بالأشعار فِي الأسفار، وكذلك عن أسامة بن زيد، وعبدالله بن الأرقم، وعبدالله بن الزبير - رضِي الله عنهم - والترنُّم كذلك ليس فِي محلِّ النِّزاع؛ إذ هو من أنواع القسم الأول من القسمين السابقين، وقد مرَّ أنَّه لا خِلافَ [فيه]، وبه يعلم أنَّ الظاهر الذي يتعيَّن القطع به أنَّ غالب ما


(١) أورد هذه القصَّة شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي في "المستطرف" (٢/ ٣١٩) فقال: وعن عبدالله [الصواب عبدالرحمن] بن عوف قال: أتيت باب عمر بن الخطاب - رضِي الله تعالى عنه - فسمعتُه يُغنِّي بالركابيَّة يقول:
فَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا = قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ
وكان جميل بن معمر من أخصاء عمر قال: فلمَّا استأذنتُ عليه قال لي: أسمعت ما قلت؟ قلت: نعم، قال: إذا خلونا قُلنا ما يقول الناس في بيوتهم، وأورد هذه القصة ابن عبدالبر في "الاستيعاب" (١/ ٧٣)، وابن الأثير الجزري في "أسد الغابة" (١/ ١٨٧)، وابن حجر في "الإصابة" (١/ ٥٠٠) بلفظ: وقال الزبير بن بكَّار: جاء عمر بن الخطاب إلى عبدالرحمن بن عوف فسمعه يتغنى بالنصب يقول:
فَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا = قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ
فقال: ما هذا يا أبا محمد؟ قال: إنَّا إذا خلَوْنا قُلنا ما يقول الناس، وذكر المبرد هذه القصة فجعل عمر هو الذي كان يتغنَّى، والله أعلم.
(٢) أخرجه ابن ماجَهْ (٣١١) عن عُقبةَ بن صهبان قال: سمعت عثمان بن عفَّان يقول: "ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسَسْت ذكَرِى بيمينى منذ بايَعتُ بها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (١/ ٤٥): هكذا وقَع موقوفًا عند ابن ماجه، رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر في "مسنده" عن وكيع فذكره بإسناده ومتنه سواء.

<<  <   >  >>