للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُقتَدى به من أهل التصوُّف الجامعين بين العلم والمعرفة شيء من ذلك السفساف الذي هو سماع الأوتار ونحوها من المُجمَع على تحريمها، وأمَّا المختَلَف فيه فكذلك عند المحقِّقين منهم لمجانبتهم الشُّبَه ما أمكن، وأمَّا الحائمون حول حمى الشبهات وسماع المشتبهات فأولئك ليس لهم من التصوُّف إلاَّ رسمه، ومن العلم إلا اسمه، والخير كل الخير إنما هو فِي اتِّباعه - صلَّى الله عليه وسلَّم وشرَّف وكرَّم.

قال الأذرعي فِي "توسطه": واعلم [ز١/ ١٢/ب] أنَّ طوائف من المغرمين بالرقص من المتفقِّرة - أي: المتصوفة - ومَن حذا حذوهم من المتفقِّهة توهَّموا أنَّ حديث زفن الحبشة بالمسجد - وهو بالزاي والفاء والنون - والرقص دليلٌ واضح على جواز الرقص فِي المساجد مع ضميمة الغناء والطارات إليه، وذلك خطأ صريح وجهل قبيح يُعرَف ببيان الحديث، والجواب عنه كما هو مذكورٌ فِي كلام القرطبي، أمَّا الحديث فالذي رواه البخاري ومسلم فيه: أنَّ ذلك كان يوم عيدٍ يلعَبُ فيه السودان بالدَّرَقِ والحِرابِ فِي المسجد، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعائشة: ((تشتَهِين تنظُرِينَ؟)) فقالت: نعم، فأَقامني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وراءَهُ خدِّي علَى خَدِّهِ وهو يقولُ: ((دُونَكم يا بَنِي أرفدة)) (١)، ووجه تمسُّكهم أنهم رقَصُوا فِي المسجد وأمرَهُم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل أغْراهم بقوله: ((يا بَنِي أرفدَةَ)) ثم أباح لعائشة - رضي الله عنها - النظر إليهم؛ فكان دليلاً على إباحة الرقص وجوازه.


(١) متفق عليه: البخاري (٩٥٠)، ومسلم (٨٩٢) من حديث أم المؤمنين عائشة - رضِي الله عنها.

<<  <   >  >>