للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك كان من الواجب أن تكون كل كلمة مفردة معجزة بنفسها منفردة، وذلك ما لم يقل به أحد (١).

وقال بعض العلماء إن وجه الإعجاز ما تضمنه من الإخبار بالغيب، ويوردون لذلك آيات منها قوله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ (الروم ٢ - ٤) وتم غلب الروم كما أخبر في هذا البضع، وقوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ (الفتح ٢٧). فدخلوا كما قال.

وقال بعضهم: وجه ذلك أنه كان معلوما من حال محمد، أنه كان أميّا، لا يكتب ولا يقرأ، ولا يعرف شيئا من كتب المتقدمين، وأقاصيصهم، وأنبائهم، وسيرهم، ولكنه جاء بكثير من تاريخ الأنبياء السابقين، مما لا سبيل إلى معرفته إلا بالتعلم، فلما لم يكن ملابسا لحملة الأخبار، ولا مترددا على أهل العلم، ولا كان ممن يقرءون، علم أنه لم يصل إلى علم ذلك إلا بوحى من الله، ولذلك قال الله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (العنكبوت ٤٨). وقال: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (هود ٤٩). غير أن التنبؤ بالغيب والحديث عن الماضين، إن اتخذا دليلا على نبوة الرسول، لم يصلحا برهانا على إعجاز القرآن، ذلك أن معظم القرآن ليس تنبؤا ولا قصصا، فلو كان الوجه ما ذكر، لفقد معظم القرآن صفة الإعجاز؛ لأن التحدى وقع بأقصر سورة منه، وهى لا تحوى من التنبؤ والقصص شيئا، ورد بعضهم قبول هذا الوجه من وجوه الإعجاز، بأن القرآن حين تحدى العرب، قالوا لرسول الله: إنك تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف، فلذلك يمكنك ما لا يمكننا، ونسبوه إلى أنه يؤلف الكتاب، ثم ينسبه إلى الله، افتراء عليه، فتحداهم أن يأتوا بمثله مفترى، أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤) (هود ١٣، ١٤). فظن أن القرآن عند ما تحداهم أن يأتوا بسور مفتريات، سمح لهم أن يأتوا بالقصص الكاذب في معارضة القرآن، وذلك عندى، ما لا أرى الآية مشيرة إليه، فكيف تكون السور مثله، وفي الوقت نفسه مفتريات، ولكنه يجاريهم في دعواهم أنه


(١) راجع إعجاز القرآن ص ٥١ وتاريخ الأدب العربى في صدر الإسلام والعصر الأموى ص ٢٨.

<<  <   >  >>