للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«والنسخ إزالة الشيء بشيء آخر، قاله الراغب، فهو عبارة عن إزالة صورة أو ذات وإثبات غيرها عوض لها، نقول: نسخت الشمس الظل لأن شعاعها أزال الظل وخلفه فى موضعه، ونسخ الظل الشمس كذلك لأن خيال الجسم الذى حال بين الجسم المستنير وبين شعاع الشمس الذى أناره قد خلف الشعاع فى موضعه، ويقال نسخت ما فى الخلية من النحل والعسل إلى خلية أخرى، وقد يطلق على الإزالة فقط دون تعويض كقولهم نسخت الريح الأثر، وعلى الإثبات لكن على إثبات خاص، وهو إثبات المزيل، وأما أن يطلق على مجرد إثبات فلا أحسبه صحيحا فى اللغة، وإن أو همه ظاهر كلام الراغب، وجعل منه قولهم نسخت الكتاب إذا أخططت أمثال حروفه فى صحيفتك إذا وجدوه إثباتا محضا، لكن هذا توهم لأن يطلق النسخ على محاكاة حروف الكتاب بإطلاق مجازى بالصورة أو تمثيله بتشبيه الحالة بحالة من يزيل الحروف من الكتاب الأصلى إلى الكتاب المنتسخ، ثم جاءت من ذلك النسخة، قال تعالى: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١) وقال وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ (٢) وأما قولهم الولد نسخة من أبيه فمجاز على مجاز، ولا يطلق النسخ على الزوال بدون إزالة، فلا تقول نسخ الليل النهار لأن الليل ليس بأمر وجودى، بل هو الظلمة الأصلية الحاصلة من انعدام الجرم المنير» (٣).

ويقول فى تفسير الآية السابقة: «والمراد من النسخ هنا الإزالة وإثبات العوض بدليل قوله نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها» (٤).


(١) سورة الجاثية، الآية ٢٩.
(٢) سورة الأعراف، الآية ١٥٤.
(٣) التحرير والتنوير، ج ١، ص ٦٥٤.
(٤) التحرير والتنوير، ج ١، ص ٦٥٤.
وذكر هبة الله بن سلامة: «المنسوخ فى كتاب الله على ثلاثة أضرب، فمنه ما نسخ خطه وحكمه، ومنه ما نسخ خطه وبقى حكمه ومنه ما نسخ حكمه وبقى خطه» الناسخ والمنسوخ، ص ٥.

<<  <   >  >>