للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (١) مع قوله تعالى لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ (٢) ومن هذا ما يبدو من تخالف بادئ الأمر كقوله بعد ذكر خلق الأرض ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ (٣) فى سورة فصلت مع قوله تعالى وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٤) من سورة النازعات، فيحسبونه تناقضا مع الغفلة عن محمل" بعد ذلك"، من جعل (بعد) بمعنى (مع) وهو استعمال كثير، فهم يتوهمون التناقض مع جهلهم أو تجاهلهم بالوحدات الثمانية المقررة فى المنطق.

فالتبديل فى قوله تعالى" بَدَّلْنا" هو التعويض ببدل، أو عوض.

والتعويض لا يقتضى إبطال المعوض- بفتح الواو- بل تقتضى أن يجعل شىء عوضا عن شىء. وقد يبدو للسامع أن مثل لفظ المعوض- بفتح الواو- جعل عوضا عن مثل لفظ العوض- بالكسر- فى آيات مختلفة باختلاف الأغراض من تبشير وإنذار أو ترغيب وترهيب، أو إجمال وبيان، فيجعله الطاعنون اضطرابا لأن مثله قد كان بدل ولا يتأملون فى اختلاف الأغراض» (٥).

ويدفع ابن عاشور تلك الدعاوى الباطلة التى قالها المشركون، فإذا نزلت آية ما، ثم أنزل الله آية أخرى يحمل معناها تعارضا على النحو الذى ذكره مفسرنا، أبدوا سخطهم وأظهروا سخريتهم، وقالوا على ما حكت الآية


(١) سورة الأنعام، الآية ١٦٤.
(٢) سورة النحل، الآية ٢٥.
(٣) سورة فصلت، الآية ١١.
(٤) سورة النازعات، الآية ٣٠.
(٥) التحرير والتنوير، ج ١٤، ص ٢٨١.

<<  <   >  >>