(٢) تفرق في الأمم لا سيما الديمقراطية بين الجريمتين العادية والسياسية اطلاقاً. فيترخص مع الثانية في العقاب دون الأولى. والحق ان التفرقة بينهما من اغوص المشكلات وأدقها امام رجال القانون فقهاء وقضاة ومحامون وغيرهم، ومن الواجب التفرقة بين العادية الخالصة والعادية ذات الطابع السياسي، والسياسة الخالصة، فقد تظهر الجريمة سياسية وليس لها من السياسة الا الطابع لا الجوهر، وان اتخاذها الصورة السياسية يهون على صاحبها ارتكابها. إذ يجعله في نظر نفسه ونظر الناس بطلاً، بينما هو في دخيلته إنسان ممسوخ الطبيعة ملتوي العقل، شرير بفطرته، وان إجرامه كامن يكفي ان يهيجه فيه ان الجريمة سياسية الطابع ولا بأس بالترخص مع الجريمة السياسية عنصراً وطابعاً يرتكبها إنسان فاضل تكرهه الظروف اكراهاً على ارتكابها وهو في ذاته اريحي كريم نبيل الدوافع أولاً، ومسوغ لغاية بعد ذلك. والأمر الذي يجب ان يدرس أولاً هو الدوافع ثم الغاية لأن الدوافع لا الغايات هي محركات الحياة، ورب جريمة يفلت المجرم فيها من العقاب وهو مجرم بفطرته، لأنه يرتكبها باسم العدل أو باسم المحافظة على الأمن أو نحو ذلك، كما فعل عبيد الله بن زياد وأعوانه مع الحسين. وكما يفعل كثير من أولي الأمر مع المحكومين في بعض البلاد. منذ قام الحكم بين الناس، وكذلك يفعل كثير من المدرسين أو الآباء مع الصغار، ونحو ذلك.