الكلمة تحتمل دلالات عدة منها الشبه والنظير، والتمثل والتمثيل والمثال، كما تحتمل معنى التثبيت والاعتماد والوضع والذكر والسيرورة «١٧».
ويبدو لي أن كلمة ضرب الواردة في تصوير الأمثال القرآنية، تحتمل كل تلك المعاني التي ذكرها العلماء والمفسرون والبلاغيون، وهذا من أسرار التعبير القرآني إذ اللفظة الواحدة تحتمل عدة دلالات معنوية.
وقد تكون هذه اللفظة من قبيل إثارة الذهن، وتنبيهه إلى أمر ذي شأن، فهي بهذا المعنى وردت لتهيئة الأذهان لاستقبال تصوير المثل القرآني.
وتصوير الأمثال القرآنية يسعى إلى تحقيق أغراض دينية عدّة، منها تقريب صورة الممثل له إلى ذهن المخاطب، أو لإقناعه بفكرة من الأفكار الدينية، أو لإقامة الحجة العقلية، أو للترغيب بأمر محمود، عن طريق تزيينه وتحسينه، أو للتخويف والتنفير من أمر مذموم، عن طريق تقبيحه وذمّه، أو لتعظيم الممثل له ومدحه، أو لتحقير الممثل له وذمّه وتوبيخه.
وقد يحتوي تصوير المثل القرآني على أكثر من غرض ديني واحد، فقد يرد تصوير المثل بغرض تقريب صورة الممثل له إلى جانب أغراض أخرى مثل الإقناع والترغيب أو الترهيب.
فتصوير الأمثال القرآنية يحقق أغراضا عدّة، قد تجتمع هذه الأغراض كلّها في المثل الواحد، أو بعضها. وعدم إدراكنا لها، لا يعني عدم وجودها بل لأننا لم ندرك بعد إيحاءات اللفظ القرآني المتعددة.
والأمثال القرآنية، تعبّر عن القضايا الإنسانية العامة، التي لا تختلف من جيل لآخر، أو من مكان لآخر، كما تعبّر عن قضايا فكرية أساسية في حياة الإنسان، كقضية العقيدة، وقضية البعث بعد الموت، وغاية الوجود الإنساني وغير ذلك من القضايا الإسلامية.
لذلك كتب للأمثال المصوّرة الخلود، بخلود القرآن الكريم، وبقي تأثيرها في القلوب قويا وفعّالا إلى يومنا هذا، فهي خاطبت الناس وقت نزول القرآن، بضرب الأمثال لهم، على طريقة الأساليب العربية في ضرب الأمثال لسيرورتها على الألسنة، وما زالت هذه الأمثال المصوّرة تخاطب الإنسان لأنها أمثال حيّة باقية متجددة، تعبّر عن قضايا الإنسان والحياة والوجود.
(١٧) انظر الصورة الفنية في المثل القرآني: ص ٧٣ - ٧٨، وما قاله العلماء في دلالتها.