وصورتها هامدة قبل نزول المطر، تتناسق مع السياق الواردة فيه، والذي يتحدث عن الإحياء بعد الموت، فهمود الأرض، كهمود الموتى في القبور، وإخراج الموتى، وإحياؤهم، يتلاءم مع تصوير الأرض هامدة، ثم ترسم حركة الحياة فيها بعد نزول المطر، فيهتز الجسم الهامد لاستقبال الحياة، فينمو فيه النبات، وينبت من كل زوج بهيج. وفي سياق العبادة، صوّرت الأرض خاشعة. يقول الله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى، إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فصلت: ٣٩، فجوّ السياق قبلها كله عبادة، وصوّرت هنا ب خاشِعَةً كي تتناسق مع هذا الجوّ.
وتربط الصورة بين رزق الإنسان في الأرض، وبين ماء السماء لإشعاره بحاجته إلى الله، وضرورة اللجوء إليه يقول تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ، فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ السجدة: ٢٧.
وتفصّل الصورة في طعام الإنسان، من بدايته الأولى، وتهيئة أسبابه، لربط الصورة بوظيفتها الدينية يقول تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ؟ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً عبس: ٢٤ - ٣٢، ويلاحظ عنصر المبالغة في التعبير، كي يتسق مع عرض نعم الله وفضله على عباده في توفير طعامهم فاستعلمت كلمة «صبّ» بدل أنزل، ثم أكّدها ب (صبا)، وكذلك شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، وتكرار الألفاظ هنا يفيد إبراز قدرة الله في إنزال المطر بهذه الكثرة، وقدرته في شقّ الأرض، لإخراج النبات بهذه القوة. وبين المطر والنبات، علاقة واتصال، وكذلك بين السماء والأرض، فالأرض في تصوير الطبيعة في القرآن تعرض بحاجة إلى خيرات السماء المادية والمعنوية على حد سواء.
ثم يلجأ التصوير إلى عرض مشاهد الطبيعة المترتبة على توفير الماء، وصلاحية الأرض للإنبات، فهناك النبات المختلف الألوان، والأعناب، والقضب أو الخضروات، وكذلك الزيتون والنخيل، والحدائق الضخمة الملتفة الأشجار، وكذلك الفواكه المتعددة الألوان، والمختلفة المذاق والطعوم، وكذلك توفير الطعام للدواب. وتنويع الصور، واختلافها في الأشكال والألوان، والأحجام، والطعوم، معروضة على هذا النحو المفصّل، للتأكيد على وحدة الأصل، الماء والأرض، والتنويع في الآثار والنتائج، وهو ما نجده دائما في تصوير الطبيعة، المتناسقة في ذلك مع صورة الحياة الإنسانية التي ترجع أيضا إلى وحدة الأصل، والتنويع في أشكال