للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وألوان البشر كما بيّنّا سابقا.

والمشاهد الطبيعية المصورة، على الرغم من جمالها، وفائدتها للإنسان، فإنها زائلة، وليست باقية، على طريقة القرآن في تصوير الطبيعة، والتأكيد فيها على فكرة الفناء، حتى لا يتعلق الإنسان بها، وينسى الدار الآخرة الباقية. وهذا ما يوحي به قوله في التعقيب عليها بعد تصويرها مَتاعاً لَكُمْ ....

ويتدرّج التصوير الفني في رسم هذه المناظر الطبيعية، في لوحة فنية متناسقة، فيبدأ برسم الصور القريبة مثل الحبّ، ثم العنب، وصورة الحبوب في السنابل ملتفة- ومنسّقة، مثل صورة الأعناب في عناقيدها ملتفة ومنسّقة مع اختلاف في الطعوم والأحجام. ثم الخضروات، تجاورها في السياق، لأنها كلها من ضروريات طعام الإنسان، ثم يرتفع التصوير في رسم الخطوط، فيرسم الزيتون والنخيل، والتجاور بينهما في اللوحة الفنية لأنهما أشجار متناسقة فيما بينها، بما تحمله من زيتون، ورطب. ثم يمتد التصوير في رسم الحدائق الكثيرة الأشجار، الجميلة المناظر، ثم في رسم أشجار الفواكه. ويترك للخيال أن يستحضر أنواعها وأشكالها وطعومها ...

فالتصوير الفني البارز في هذه اللوحة الفنية المرسومة للطبيعة، بالخطوط والأشكال والألوان، يحقق غاية فنية في إشباع حاسة الجمال عند الإنسان، وإثبات إعجاز القرآن، من خلال هذا التصوير الأخّاذ المتناسق، ويحقّق أيضا، غاية دينية. في بيان فضل الله على عباده في توفير طعام الإنسان. وتوضيح قدرة الله في خلق الطبيعة المتنوعة بمناظرها، والمرتبطة أيضا بحياة الإنسان، وحركته على الأرض لتوفير احتياجاته.

وصورة أخرى للطبيعة، تعرض في القرآن لإثبات قدرة الله، في الخلق والإيجاد، من مصدر واحد، وأشكال متنوعة ولكنها متناسقة ومنظمة. يقول تعالى: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الرعد: ٣ - ٤.

فهذه اللوحة الفنية المرسومة هنا بأشكالها، وأحجامها، وألوانها، وخطوطها، تظهر

<<  <   >  >>