للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدرة الله في الخلق من مصدر واحد، ثم التنويع بعد ذلك في المظاهر. فالماء واحد، ولكنه ينبت الزروع والأشجار والثمار، والأرض واحدة، ولكن ما تنبته متنوّع في الثمار والأشجار والزروع، ثم هذا التنوّع في الثمار والزروع والأشجار، مؤلّف من زوجين اثنين، ذكر وأنثى، وبالتلاقح بينهما، يتمّ هذا التنويع والتكثير.

ثم الأرض واحدة، ولكنها قد تكون صالحة للزراعة، وغير صالحة أو صالحة لنوع من الزروع والثمار والأشجار والأخرى غير صالحة، وقد تكونان متجاورتين في المكان مع كل هذا الاختلاف في القابلية للزراعة وعدمها. أو قد تكونان متجاورتين، ولكن الاختلاف بينهما في قابلية إحداهما لنوع دون الآخر.

ثم هناك الشجرة الواحدة، ولكنها تعطي ثمارا متنوعة كالنخيل والأعناب، وهذا أيضا ينطبق على الحبوب والزروع. حتى في الشجرة الواحدة، والنوع الواحد، والثمر الواحد، نلاحظ فوارق في المذاق والطعوم ونحو ذلك. وهكذا تبرز قدرة الله في هذا التنويع والتكثير، مع وحدة الأصل، كما تبرز في تمهيد الأرض، وتثبيتها بالجبال الراسيات التي هي ذوات ألوان وأشكال، وأحجام، كذلك الأنهار تزيد من جمال اللوحة الفنية المرسومة هنا للدلالة على قدرة الله، وبديع خلقه، لمن يتفكر في ذلك ويتدبّر.

وعنصر «الجمال» في الطبيعة يأسر العيون، ويمتع الخيال، ويريح النفس، وهو مقصود في تصويرها أيضا. يقول الله تعالى: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها ... النمل: ٦٠.

فليس المقصود بالتصوير هنا مجرد رسم حركة نزول الأمطار، وإنبات الزروع والثمار فقط، وإنما إنبات الحدائق ذاتَ بَهْجَةٍ الموحية بتأثير جمالها في النفوس أيضا.

وهذا ما نراه أيضا في تصوير مشهد آخر أكثر تفصيلا يقول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً، وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ، وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأنعام: ٩٩.

فهذه اللوحة الفنية المرسومة للطبيعة بأشكالها وألوانها، وأنواعها وأحجامها، تظهر قدرة الله، وحسن تدبيره وإحكام تنسيقه لهذا الكون البديع.

<<  <   >  >>