للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتصوير فيه تطويل وتفصيل، وتدرّج في رسم المشهد، لإظهار تناسقه، ومحاسنه من الجهات المتعددة. ضمن نظام العلاقات بين الصور المعروضة، ويبدأ عرض المشهد حيا شاخصا من إنزال المطر من السماء، لشدّ الأنظار إليها، لأنها هي المنبع والمصدر لكل شيء على سطح الأرض، ثم يبدأ استعراض آثار الأمطار في إنبات كل شيء، ويطيل التصوير في رسم حركة نمو النبات، فيبدأ غضّا أخضر، ثم ينمو ويكبر، فتخرج من هذا العود الأخضر السنابل المحمّلة بالحبوب، والحبوب في السنابل متراكبة بعضها فوق بعض بتنسيق وتنظيم، وصورة السنابل، ترتبط بصورة أخرى تجاورها في السياق، وتستدعيها في الخيال وهي صورة عناقيد الرطب في أشجار النخيل، وصورة عناقيد العنب أيضا.

فهذه الصور الثلاث. تتجاور في السياق، وتتفاعل في الخيال بما تحمله من حبوب وثمار مصفوفة ومرتبة ترتيبا بديعا، ثم صورة شجرة الزيتون والرمان، تتجاوران في السياق، لأن شجرتهما متشابهة في الشكل والأوراق ولكنهما لا تتشابهان في الثمار والطعوم.

وفي نهاية تصوير هذه المشاهد. تأتي الدعوة إلى تأملها، والتفكّر في هذه الثمار المصورة من وقت خروجها ونموها، إلى نضجها وإثمارها، وانتقال صورها من شكل لآخر، حسب مراحل نموها، وتغيّر ألوانها وأشكالها وحجومها وطعومها، ثم صورة الثمار فيها في النهاية مرسومة بأشكالها المتناسقة وهيئاتها الخاصة مثل صورة السنابل وعناقيد العنب، وعناقيد الرطب، وتوضع الأشكال المتشابهة في أنساق متجاورة، فتراكم الحبوب في السنابل مثل تراكم الحبوب في عناقيد العنب، وتراكم عناقيد الرطب، كما تتجاور أشجار الزيتون والرمان، وهكذا تتجاور الصور المتشابهة في أنساق التعبير والتصوير، مع اختلاف في مذاقها وطعومها.

فالتركيز في تصوير هذا المشهد، على دقة التناسق والتنظيم في خلق الطبيعة، للدلالة على الله الخالق القادر على كل شيء.

ويقترن تصوير الحدائق والأشجار في القرآن، بتصوير الينابيع والأنهار الجارية فيها، كي تكتمل اللوحة الفنية للطبيعة المرسومة، يقول تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ، وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ يس: ٣٣ - ٣٤.

<<  <   >  >>