وصورة الينابيع جميلة ومألوفة، وعرضها جاء ضمن المشاهد الطبيعية الأخرى. لمحاكاة الطبيعة وبيان ما فيها من جمال، وإظهار المعاني الدينية من خلالها.
ويتدرّج التصوير في رسم المشهد من الأرض الميتة، إلى الأرض الحيّة، ثم يبدأ عرض مظاهر الحياة في الأرض. والتقابل بين الصورتين للأرض، يبرز الفوارق بين الحالتين، ويعمق فكرة الحياة والموت في ذهن الإنسان كي يكون مهيأ لقبول البعث بعد الموت، وهذا ما نلاحظه في تصوير مشاهد الأمطار النازلة على الأرض، ومشاهد
النبات الطالع منها غالبا.
ويتابع تصوير الطبيعة، مشهد الينابيع الجارية وسط الزروع، وما فيها من جمال ودلالة على القدرة الإلهية أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ الزمر: ٢١.
ويمتزج في التصوير الغرض الفني بالغرض الديني، والصورة للطبيعة بالصورة الإنسانية، فالسماء هي أصل الخير والحياة على ظهر الأرض، فالماء النازل منها، هو مصدر تلك الحياة، فيجري الماء النازل، على شكل ينابيع، يسقي بذور الأرض، فتنمو، وتخرج النبات المتعدد الألوان، ثم ينمو هذا النبات ويكبر، ويتحوّل من صورة إلى أخرى، تماما كمراحل نمو الإنسان، حتى يصل إلى نهايته في الهلاك والزوال، فيتم بذلك تلاحم المشاهد الطبيعية بمراحل نموها المختلفة ونهايتها الفانية، مع المشاهد الإنسانية في مراحلها ونهايتها أيضا، للتأكيد على فناء المخلوقات، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ الرحمن: ٢٧.
وهذا الماء أيضا، كما صوّر جاريا في المشهد السابق، يصوّر ساكنا في جوف الأرض، وهذا منتهى الدقة في تصوير العلاقات بين الصور وامتداداتها في أنساق التعبير القرآني.
فالماء ينزل من السماء، فيسكن في الأرض، ويستقر حتى يتمّ الانتفاع به في الشرب والسقاية، وترتبط به صور النبات والأشجار بأنواعها، وهذه صورة مألوفة في الحياة،