للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القصة الفنية الطليقة، لأن القصة القرآنية متميّزة بغرضها الديني، وخاضعة له «ولكن هذا الخضوع الكامل للغرض الديني، ووفاءها بهذا الغرض تمام الوفاء لم يمنع بروز الخصائص الفنية في عرضها، ولا سيما خصيصة القرآن الكبرى في التعبير وهي التصوير» «٤».

فالهدف الديني هو الغاية من القصة في القرآن، وليس التأريخ، لهذا لا نجد فيها تحديدا للأزمنة والأمكنة التي وقعت فيها الأحداث، كما لا نلاحظ عناية في تصوير السمات الحسية للشخصيات، وذكر أسمائهم.

بل إن الأحداث في القصة، لم ترد في سياق واحد مجتمعة- ما عدا قصة يوسف- وإنما جاءت موزّعة في أنساق تعبيرية تقتضيها، لتحقيق الغرض الديني منها. ولكن هذه الحلقات الموزّعة للقصة الواحدة مترابطة ومتناسقة ومتكاملة، بحيث لو جمعناها، لتكوّنت القصة متكاملة بأحداثها وأشخاصها وهذا ما يؤكد قيام القصة في القرآن على نظام العلاقات التصويرية والتعبيرية والفكرية. حتى تتكون من ذلك كلّه قصة متكاملة ذات نسيج موحّد، شأنها في ذلك شأن الصورة القرآنية عامة، كما رأينا في الفصول السابقة، ونؤكّده فيما يأتي من فصول قادمة في هذا الكتاب إن شاء الله.

وقد أثّر الغرض الديني للقصة في بنائها الفني وتركيبها، وطريقة عرضها، وطولها وقصرها، ورسم شخصياتها.

وتأثير الغرض الديني نلاحظه أولا في تكرار القصة، لتحقيق الغرض الديني، والتأثير النفسي، ولكن التكرار لا يتناول القصة بأكملها من بدايتها إلى نهايتها، وإنما يلتقط منها حلقة من حلقاتها بقصد الإشارة إلى موضع الاعتبار فيها، ضمن سياق يقتضيه، مثل قصة «موسى» عليه السّلام التي تعدّ من أكثر القصص تكرارا في القرآن الكريم، وذلك لأن موسى عليه السلام قريب عهد بالرسالة المحمدية، وقصته حاضرة في أذهان العرب آنذاك، والمشابهة بين موقف فرعون من موسى وموقف العرب من رسول الله واضحة، وهي موحية بالنصر لدعوة الله في نهاية المطاف، على الرغم من كل الجهود التي بذلها فرعون، لإيقافها، وكذلك ستكون النتيجة بالنسبة للعرب مماثلة لإهلاك فرعون وجنوده.

كذلك فإن وجود اليهود في مجتمع المدينة المنورة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، يقتضي توضيح


(٤) التصوير الفني: ص ١٤٣.

<<  <   >  >>