للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأثرها في حياة الإنسان.

وتصوير الأحداث في القصة يعتمد على عرض قضية الإيمان والكفر منذ فجر البشرية، ويعاد عرض هذه القضية في كل قصص القرآن، لأنها هي القضية الأساسية في الأديان جميعا. فالبشرية تنحرف عن الفطرة، وتضلّ، وتكفر بالله الذي خلقها، فيرسل الله الرسل لهداية البشر، ولكنّهم لا يستجيبون لدعوة الرسل، ويقفون موقفا منكرا للحق المبين، ويستمرّ الرسل في دعوتهم، ويصرّ الكافرون على كفرهم، ويحاربون رسل الله حربا مادية ومعنوية، فتبدأ مرحلة المواجهة بين أهل الإيمان والكفر، فيتدخل الله سبحانه، فينصر رسله، ويدمّر الكافرين.

وتكاد هذه الأحداث أن تقع لكل رسول مع قومه، كما يصوّرها القرآن، والغاية من تصوير هذه الأحداث على هذه النحو أن يوضح للمشركين ما جرى لأسلافهم المكذبين بالرسل من دمار وهلاك، وينذرهم عاقبة كفرهم، مثل عاقبة أسلافهم المكذبين، وفيها تطمين للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه، بأن الله معهم، وأن النصر لهم في النهاية.

وتصوير الأحداث في القصة متنوّع، فأحيانا تعرض الأحداث بشكل موجز وسريع في قصص مختلفة لأن الغاية هي إثبات وحدة الرسل والرسالات.

فنحن نجد في سورة «الصافات» مجموعة من الأحداث القصصية المتوالية، عرضت بإيجاز وسرعة، لتحقيق أغراض دينية، وهي تدور حول وحدة الرسل والرسالات، وموقف الناس على مختلف الأجيال والبيئات من دعوة الرسل، ثم نتائج التكذيب هي التدمير للمكذبين، وهذا ما نراه في قصة نوح وإبراهيم وإسماعيل، وموسى وهارون، وإلياس، ولوط، ويونس، وتنفرد قصة يونس بإيمان قومه، وهي معروضة في هذا السياق، لبيان عاقبة المؤمنين إلى جانب عاقبة المكذبين وعرض هذه الأحداث بهذه السرعة الخاطفة، مثير لمخيلة الإنسان، ليستحضر هذه الأحداث، ويتفاعل معها ويتصور موقعه فيها، بعد أن اتّضحت له العواقب لأهل الإيمان، والكفر.

ويبدأ تصوير الأحداث في هذه السورة بقصة نوح عليه السلام لأنه يعد الأب الثاني للبشرية، ويلاحظ تركيز التصوير على حدث الطوفان، لأنه حاضر في ذاكرة الناس، فإحياء صورة الطوفان من أجل تحقيق التأثير الديني، يقول تعالى: وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ،

<<  <   >  >>