للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ، وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ، إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ الصافات: ٧٥ - ٨٢.

فالأحداث معروضة هنا من نهايتها تقريبا، حين يئس نوح من قومه، فدعا عليهم، فأغرقهم الله، ويسدل الستار على الأحداث بإغراقهم دون تفصيل.

وكأن تصوير الأحداث على هذا النحو السريع، قصد به تطمين الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه، بأن الله يستجيب له دعاءه في اللحظة المناسبة، وأن القوة الفاعلة في الكون والحياة هي قوة الله، وأن الله ينصر دعوته والمؤمنين بها. كما أنّ تكريم الله لأنبيائه واضح في التعبير والتصوير على حدّ سواء، فالله قريب من رسوله، يستجيب دعاءه، وينجيه، وأهله والمؤمنين معه، وبقاء ذريته من بعده، وتكريمه بالسلام والإحسان والإيمان، وإغراق أعدائه.

والتصوير للأحداث على إيجازه، يترك للخيال أن يستحضر بقية الأحداث، من خلال بعض الإيحاءات فالدعاء يوحي بما قبله من أحداث ودعوة وتكذيب وعناد، والطوفان يوحي بالسفينة كما جاء ذلك مصوّرا في آيات أخرى.

ويطول تصوير الأحداث في قصة إبراهيم، ضمن هذا الشريط السريع، لأن إبراهيم عليه السلام جدّ العرب فكأن القرآن الكريم أراد من وراء هذا التصوير أن يضع أمامهم قصة جدهم إبراهيم، ودعوته إلى التوحيد، ونبذ عبادة الأصنام، وذلك لدفع العرب إلى الاقتداء بجدهم الذي يزعمون الانتساب إليه.

فيسلّط الضوء على الألوهية الجديرة بالعبادة من خلال حوار إبراهيم مع أبيه وقومه يقول تعالى: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ، أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ، فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ الصافات: ٨٥ - ٨٧.

وعلى عقيدة التوحيد، وعجز آلهتهم المزعومة بقوله: فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ، ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ، فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ. قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ، قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ، فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ ... الصافات: ٩١ - ٩٨.

فالأحداث هنا موجزة، وتترك بقية الأحداث لإيحاءات التصوير والتعبير، ويتمّ التركيز

<<  <   >  >>