للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحوادث فيها هي قصة يونس. فقد آمن بيونس قومه، بعد معاناته الشديدة من تكذيبهم، وفراره منهم، وابتلاع الحوت له، وعفو الله عنه، وعودته إلى دعوة قومه حتى آمنوا به، يقول تعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ الصافات: ١٤٧ - ١٤٨.

وتوحي قصة يونس ضمن هذا السياق، بأن الرسول مكلّف بتبليغ الرسالة السماوية على الرغم من تكذيب قومه، وأن الصبر على آلام الدعوة، قد يؤتي ثماره في النتائج، كما حدث ليونس عليه السّلام.

وقد أثر الغرض الديني في القصص حتى في بنائها اللغوي، وتركيبها. فنحن نلاحظ التشابه في الصياغة في ختام كل قصة بقوله تعالى: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ، إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ الصافات: ٧٨ - ٨١، وبهذه الصياغة ختمت قصة إبراهيم وموسى وهارون وإلياس وهذه الصياغة توحي بتكريم الله رسله، المؤمنين المحسنين، وبامتداد الذكر الحسن لهم في الآخرين.

وغالبا، تعرض أحداث القصة، موزّعة على حلقات في سور مختلفة، حسب ما يقتضيه السياق من التركيز على جانب من الجوانب الدينية الواردة في حلقة من حلقاتها.

فقصة نوح مثلا موزّعة الحلقات على سور متعددة مثل نوح، الصافات، يونس، هود، الأعراف، العنكبوت.

وقد بيّنا أن قصة نوح في سورة الصافات، قد عرضت من نهايتها باختصار شديد ضمن مجموعة من القصص الممتدة في الزمان والمكان، لبيان وحدة الرسالات السماوية، وتكريم الله أنبياءه، وعاقبة الكفر.

وفي سورة نوح، نلاحظ تفصيلا أكثر للأحداث، لإبراز ضخامة الجهد المبذول في دعوة قومه، وضآلة المحصول النهائي للدعوة.

ويعتمد تصوير الحوادث على أسلوب الدعاء، ومن خلال دعاء نوح، تتوالى الأحداث التي مرت بها الدعوة. وكأنّ هذا الأسلوب يوحي بأن نوحا يقدم لربه سبحانه، خلاصة عن الأحداث التي مرّ بها مع قومه ويركّز تصوير الأحداث، على دعوته لهم في الليل والنهار، ولكنهم ازدادوا فرارا منه ومن دعوته، وقد صوّر الفرار بوضع الأصابع في الآذان مرة، وتغطية الرءوس والوجوه مرة أخرى.

<<  <   >  >>