للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد ظلّوا على كفرهم وعنادهم، ولم يفدهم تنويع أسلوب الدعوة بين الجهرية والسرية، ولا أسلوب الترغيب في إغداق السماء عليهم إن آمنوا، والإمداد بالأموال والبنين والرزق الوفير في الجنات والأنهار، كذلك لم يفكّروا في المشاهد الكونية أمامهم، في السماوات الطباق، والقمر المنير، والسراج الوهّاج، والأرض المبسوطة، والفجاج المسلوكة، ولا في آيات خلقهم وإنشائهم، بل ظلوا معاندين مصرين على عبادة آلهتهم، ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرا.

ثم نلاحظ ارتفاع نبرة المناجاة، بعد تصوير كفرهم وعنادهم، وبلغت ذروتها في دعاء نوح عليهم، لأن كفرهم تجاوزهم إلى ذريّاتهم، فأصبحوا يورّثونه أبناءهم، وانقطع الأمل في هدايتهم بعد هذه السنين الطويلة من الدعوة، ولم يبق إلا عقابهم، فاستجاب الله دعاء نوح فأغرقهم، ولكن مشهد الإغراق في هذه السورة يعرض سريعا خاطفا ضمن المناجاة النفسية، والدعاء الخاشع، يقول تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً نوح: ٢٥. وفي سورة الأعراف، يدخل «الحوار» عنصرا من عناصر التصوير، لإحياء المشاهد القصصية، وترك الكافرين يعبّرون عن أنفسهم لفضحهم، وبيان مدى ضلالهم، ووقاحتهم في مخاطبة رسل الله، وبيان عاقبة تكذيبهم. ويركز تصوير الأحداث، على إبراز قضية التوحيد، يقول تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ، أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ... الأعراف: ٥٩ - ٦٢، إلى أن يقول فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ الأعراف: ٦٤.

كذلك يعتمد تصوير الأحداث لقصة نوح في سورة «الشعراء» على الحوار أيضا، مع إضافة أشياء جديدة لم ترد في الحوار السابق، فقد دعا قومه إلى الطاعة والتقوى، وأعلن أنه لا يطلب أجرا منهم، ولكنهم رفضوا دعوته لأنّ أتباعه من الفقراء، فطلبوا منه أن يطردهم، وحين رفض طلبهم، لجؤوا إلى تهديده، يقول تعالى: قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا

نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ

الشعراء: ١١٦، فدعا عليهم، فكانوا من المغرقين، يقول تعالى: قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ، فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي

<<  <   >  >>