للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ الشعراء: ١١٦ - ١٢٠.

وهنا نلاحظ أن الحوار في القرآن الكريم متنوّع، فقد يكون بين اثنين مثل حوار إبراهيم مع أبيه، وموسى مع فرعون وقد يكون بين واحد، وجماعة، مثل حوار نوح مع قومه.

ولكن حلقة التحدي الأخير بين نوح وقومه، ترد في سورة أخرى هي سورة «يونس»، فقد تحداهم نوح في هذه السورة أن ينفذوا تهديدهم له بالقتل، وأن يستعينوا أيضا بآلهتهم في تنفيذ ذلك، زيادة في التهكم والسخرية من اعتقاداتهم الباطلة. يقول تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ يونس: ٧١.

وكانت النتيجة أن كذّبوه، فأغرقوا جميعا، قال تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ يونس: ٧٣.

وتصوير النتيجة جاء سريعا خاطفا، ليدل على سرعة العقاب بعد التكذيب مباشرة والفلك تدلّ على وجود الطوفان.

وتصوير الطوفان يرد مفصّلا في سورة أخرى، هي سورة «هود»، إلى جانب تصوير الأحداث الأخرى، فيبدأ تصوير الأحداث من أول القصة بقوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ هود: ٢٥، ثم ينتقل مباشرة إلى كلام نوح على النحو الآتي: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ هود: ٢٥، وهذا الانتقال السريع في التعبير، يحيي الأحداث، ويجعلها، كأنها حاضرة، معروضة في مشهد، وليست أحداثا ماضية تروى، ثم يتوالى تصوير الأحداث عن طريق الحوار المتبادل بين نوح وقومه، ويتضح من الحوار أن نوحا كان يدعوهم إلى توحيد الألوهية، ويخوّفهم عذاب يوم أليم، ولكنهم رفضوا دعوته، لأنه بشر مثلهم، وهو ما قالته قريش أيضا فيما بعد لرسول الله، وكذلك طلبوا طرد الفقراء من حوله وهو الطلب نفسه الذي طلبته قريش أيضا، ولكنه لم يستجب لهم، ثم إنهم أظهروا ضجرهم من دعوته لهم إلى التوحيد فتحدوه ساخرين أن يأتيهم بالعذاب الموعود، تماما كما كانت قريش تفعل برسول الله، وتهدده، وتسخر منه، وتتحداه أن يأتي بالعذاب.

وهذا يثبت وحدة الرسالة السماوية، ومواقف الناس منها، وأساليبهم في معارضتها، وكأن تصوير هذه الأحداث، يهدف إلى بيان سنة الله أو منهجه في دعوة الرسل، ومواقف

<<  <   >  >>