للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس منها، ليزداد الرسول والمؤمنون معه اطمئنانا أنهم يسيرون على منهج الله في التبليغ والابتلاء، ولكنّ النتيجة هي النصر والتمكين بإذن الله.

ويستغرق مشهد الدعوة والإنذار والجدل في توحيد الألوهية الآيات من ٢٥ - ٣٥. ثم يبدأ المشهد الثاني من الأحداث بتقرير مصيرهم بالإغراق، عقابا على تكذيبهم، فيؤمر نوح بصنع سفينة للنجاة، وكانوا كلّما مرّوا به، سخروا منه، يقول تعالى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ، وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ... هود: ٣٧ - ٣٨.

ويلاحظ اعتماد التصوير على الفعل المضارع وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ، لإحياء الحدث، وكأنه حاضر ماثل في الخيال يتملّاه الآن، وقومه المتكبرون يمرون به ساخرين من عمله. ثم ينتقل تصوير الأحداث إلى مشهد آخر حيث نرى فيه نوحا يحمل في السفينة من كل زوجين اثنين، ويحمل أهله ومن آمن معه، وكانوا قلّة، يقول تعالى: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ... هود: ٤٠.

وصورة فوران التنور، صورة غيبية، لا نعرف ماهيّتها، ولكنها كانت مجرد علامة على بدء تعذيبهم بالإغراق.

ثم ينتقل التصوير إلى مشهد السفينة، وهم راكبون فيها، وهي تشق أمواجا ضخمة كالجبال، وهذا التصوير يوحي بشدة الهول، وضخامة السيول، وغزارة الأمطار، ويترك للخيال أن يتابع مشهد السفينة وركابها وسط هذه الأهوال المادية والنفسية، أهوال في مشاهد الطبيعة، وأهوال نفسية مجسّمة في مناداة نوح ولده وسط هذه الأمواج، أن ينضم إلى ركاب السفينة المؤمنين، ولكنه لم يستجب فكان مع المغرقين، يقول تعالى: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ، قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ هود: ٤٢ - ٤٣.

والتصوير هنا دقيق وموح فهو يشمل الأهوال الحسية الممثلة في أمواج كالجبال، وأهوال نفسية أيضا ممثّلة في خوف الوالد على ولده، والمشهد المرسوم حي شاخص، يعتمد على الفعل المضارع وَهِيَ تَجْرِي على طريقة القرآن في استحضار الحدث من الماضي إلى

<<  <   >  >>