للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ، وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ الشعراء: ٩٢ - ٩٩.

وهذه الحلقة الجديدة ملائمة للجوّ العام في تصوير الأحداث، وتصوير الأصنام وعقيدة الشرك، فهي ترسم النهاية المتوقعة للمشركين مع أصنامهم في النار.

كما أنّ حلقة بناء إبراهيم للبيت مع ولده إسماعيل ترد في سورة البقرة، متناسقة مع الموضوع الواردة فيه والجوّ العام للسورة. يقول تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ... البقرة: ١٢٧ - ١٢٩.

كما يعرض فيها حلقة أخرى جديدة في القصة وهي حوار إبراهيم مع الملك الكافر حول قدرة الله على الإماتة والإحياء يقول تعالى في تصوير هذا الحدث: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ البقرة: ٢٥٨.

فهذه الحلقة تعتمد على أسلوب المناظرة بين إبراهيم وهذا الكافر، ويتّضح منها قدرة إبراهيم عليه السّلام على سوق البراهين المفحمة، والأدلة المقنعة، إذ سرعان ما انتقل إبراهيم من دليل إلى أخر، حين رأى خصمه، قد حاول التضليل وإيهام الآخرين عن حقيقة الإماتة والإحياء، فجاءه إبراهيم بدليل آخر، من الكون المنظور، ليظهر الحقيقة الموضوعية التي لا يمكن لخصمه أن يدّعي امتلاكها، كما فعل في الدليل الأول، لهذا كانت النتيجة هي ظهور الحقيقة للجميع التي لا تقبل الجدل فيها «٨».

كذلك نلاحظ أن ما جرى بين إبراهيم مع الملائكة الذين جاءوا في صورة ضيوف، هذه الحلقة من قصته تعرض في سورة «هود».

وقد أحضر إبراهيم لهم عجلا مشويا، على عادة العرب في إكرام الضيوف، ولكن ضيوفه لم يتناولوا الطعام، فأيديهم واقفة لا تمتد إليه، على الرغم من صورتهم المشابهة للبشر، فانتابه شعور الخوف منهم، فصرّحوا له بحقيقتهم، وبالمهمة الموكلة لهم في تدمير قوم لوط، وبشروه بإسحاق ويعقوب من امرأته العجوز ... وهكذا تبرز قدرة الله من خلال


(٨) انظر مفهوم المناظرة في كتاب مقدمة في نظرية الأدب العربي الإسلامي: للدكتور حسين صديق. ص ٢٦١ وما بعدها.

<<  <   >  >>