للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ القمر: ١٨ - ٢٢.

ويبدأ تصوير مشهد تدميرهم، ببيان سببه أولا، وهو التكذيب، ثم يعقب عليه مباشرة بالاستفهام عن عذابهم، وذلك لتهويله وتضخيمه، وإثارة الخوف في النفوس مما حلّ بهم.

ثم بدأ بتصوير تدمير عاد بهذا المشهد المرعب السريع الخاطف، والإيقاع الملائم برنينه القوي الشديد المتناسق مع جوّ التدمير والعذاب. فالريح الصرصر الباردة العاتية، كانت تنزعهم نزعا من على الأرض، وتلقي بهم جثثا هامدة، وكأنهم أعجاز نخل محطمة، مقلوعة من جذورها. وتكرار الاستفهام في نهاية هذا المشهد، يبعث الخوف والفزع من مخالفة أمر الله، وقد ورد هذا الأسلوب الاستفهامي في بداية المشهد، وفي نهايته، لتحقيق هذا الغرض الديني.

وكذلك تصوير تدمير ثمود، يقول الله سبحانه وتعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ، فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ، أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ، سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ، إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ، وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ، فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ القمر: ٢٣ - ٣٢.

وعلّة التدمير أيضا هي التكذيب، فيذكر في المشهد التكذيب أولا ثم يعقبه التدمير مباشرة.

وقد اعتمد التصوير أولا على أسلوب الحكاية، لأحداث ماضية، ثم يلتفت فجأة ليتحدث عما سيكون من أحداث، وكأنها حاضرة معروضة أمامنا الآن سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ، وهذه طريقة القرآن التصويرية في إحياء الصورة الماضية، وبعثها من خلال الحركة والحياة فيها، وهذه الطريقة الفنية في عرض القصة الماضية، تحقّق غرضها الديني، بشكل أكبر مما لو عرضت كأخبار ماضية مروية.

وصورتهم كهشيم المحتظر بعد الصيحة الواحدة، توحي بالتدمير الكامل، ومع التدمير التحقير والاستهانة بهم، لأن الهشيم هو الأعواد اليابسة المحطمة المهشمة الذي تطؤه

<<  <   >  >>