للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كُفِرَ، وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ القمر: ٩ - ١٧.

فصورة الطوفان هائلة مروّعة، تغمر الأرض كلّها، حتى كأن السماء أبواب مفتوحة يتدفّق منها الماء المنهمر. ولا ينزل بقدر، كما في الحالات الطبيعية، وبذلك نلاحظ تواصل هذه الصورة مع صورة المطر المنزل بقدر عن طريق التضاد، لإظهار الفروق بين الحالتين، والموقفين «١٠».

وتعتمد الصورة هنا في رسم الهول على الفعل (فتحنا) الماضي ويسند فيها إلى الفاعل الحقيقي، لأنه هو الذي يملك هذا الكون بما فيه. ثم أَبْوابَ السَّماءِ تزيد الصورة وضوحا وهؤلاء من خلال الجمع للاسم وتقابل هذه الصورة المروّعة في السماء، صورة الأرض التي تماثلها أيضا في هولها وضخامتها، فالأرض كلّها فجّرت عيونا، ولم تفجّر فيها العيون.

وهكذا ترتسم صورة الطوفان في الأذهان، من خلال صورة السماء والأرض المحيطتين بالبشر من فوقهم ومن تحتهم، وسفينة نوح لا تذكر هنا باسمها، وإنما توصف بأنها ذات ألواح ودسر أي مسامير، وذلك لفخامتها وتعظيم أمرها وسط الطوفان، فهي تجري برعاية الله وحمايته، كذلك لكي تتناسق الألفاظ الضخمة للسفينة، مع الجو العام للصورة الذي يميل إلى تضخيم الهول.

ويلاحظ أنّ التصوير يعتمد على الأفعال الماضية في رسم مشهد الطوفان «كذبت- كذبوا- قالوا- فدعا- ففتحنا- فجرنا- فالتقى- حملناه- تركناها ... » لأن الحدث وقع في الماضي، ولكن التصوير يلجأ إلى الفعل المضارع ضمن هذا المشهد، في رسم حركة السفينة وسط الطوفان تَجْرِي بِأَعْيُنِنا لإحياء صورتها واستحضار عناية الله بها وبركابها المؤمنين، وسط هذه الأهوال. وإبراز صورتها من خلال هذا المشهد، لكي تحقق الصورة غرضها الديني في إنذار المكذبين، وتبشير المؤمنين.

وبالطريقة التصويرية نفسها يتم تصوير تدمير عاد أيضا، يقول الله تعالى: كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ، تَنْزِعُ


(١٠) انظر صورة المطر المنزل بقدر في فصل «مشاهد الطبيعة» من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>