أمام أبيها، وتطوي الصورة مسافات الطريق، واصطحاب موسى للفتاة إلى بيت أبيها، جريا على طريقة القرآن التصويرية في التركيز على اللقطات الموحية بالغرض الديني.
ثم يبدأ تصوير المشهد الرابع وما جرى من حوار بين موسى والأب، ويبرز موسى الغريب الطريد فيه من خلال إخبار أبيها بقصته مع فرعون ويظهر الأب شجاعا كريما ثم في المشهد الخامس نلاحظ إعجاب إحدى البنتين بموسى، من خلال طلبها استئجاره، ووصفها له بالقوي الأمين، ويفطن أبوها لرغبتها، فيلبيها لها كما يوحي المشهد، كذلك فإن موسى يظهر في المشهد بالمستسلم الموافق لكل الشروط في العمل والزواج، وهي حالة الطريد المطلوب في حادثة قتل.
ونلاحظ هنا أن تصوير الأحداث يميل إلى الهدوء، ليناسب المواقف والحركات والأشخاص. وهكذا رأينا ألوانا من تصوير الأحداث، فهناك الأحداث الموزّعة على حلقات في سور القرآن المختلفة، تصوّر ضمن السياق الواردة فيه، وبالجزء المتناسق مع الأغراض الدينية المتفاعلة مع السياق، لأن أحداث القصة القرآنية، لا تذكر في موضع واحد غالبا، وهذا ما يقتضيه نظام العلاقات التعبيرية والتصويرية والفكرية في الأسلوب القرآني.
والقصة الوحيدة التي وردت في موضع واحد هي قصة يوسف، وقد تكاملت بأحداثها، وأشخاصها وموضوعها وهي تعدّ نموذجا للقصة الفنية في القرآن الكريم. ولو أننا جمعنا حلقات كل قصة وردت في القرآن لرأيناها قصة متكاملة في بنائها وأحداثها وأشخاصها أيضا، وأعطتنا هذه الصورة الفنية التي نراها في سورة يوسف مع ملاحظة اختلاف الموضوعات والأحداث والأشخاص بين قصة وأخرى.
كما لاحظنا في تصوير الأحداث، ترك الفجوات الفنية بين مشهد وآخر، ليقوم الخيال بدوره في ملئها. ويشتد تصوير الأحداث أحيانا، كما رأينا في مشاهد تدمير الأقوام المكذبين، ويلين أو يهدأ أحيانا أخرى، كما رأينا في تصوير الأحداث في قصة موسى في قرية مدين، مع تصوير الحركات الحسية والنفسية المصاحبة للأحداث. والمواقف