في متابعة المشاهد الجانبية للحدث، وتسلّط الأضواء التصويرية على «يسقون وتذودان» لأن الصورتين للسقاية والذود هما اللتان أثارتا موسى وحرّكتا عواطفه، وهما توحيان بما سيقع من أحداث لموسى، لذا نجد موسى يتقدم في المشهد ويسألهما سؤالا معبرا عن شدة تأثره بصورة السقاية الجائرة ما خَطْبُكُما؟
فيأتي الجواب مصورا أنوثتهما بما فيها من ضعف وحياء لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ ولفظة يَصْدُرُ توحي برجوع الرعاء من حيث أتوا، وهي مقصودة في التعبير لتصوير مشهد الرعاة العائدين بعد السقاية. وقد استخدمت هذه اللفظة أيضا في تصوير رجوع الناس إلى ربهم يوم القيامة، يقول تعالى يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ الزلزلة: ٦.
لأن مشهد السقاية عارض، كذلك مشهد الدنيا لذلك اقتضى التعبير استخدام لفظة يَصْدُرُ دون غيرها للدلالة على المعنى، وهذا من روائع التصوير والتعبير الموحي بالمشاهد والمعاني المختلفة.
وزادت البنتان في جوابهما وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ لاستدرار العطف والحنان.
ثم يأتي المشهد الثاني بعد أن سقى لهما فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ وهذه الصورة موحية بالمعاني، فموسى منهوك القوة بعد عملية السقاية، والجهد المبذول فيها، فآوى إلى الظل، مسترخيا مستبردا بنداوته، وهي صورة متواصلة مع الصور قبلها، ومترابطة بها.
كما أنها توحي بشدة الحرّ، والتزاحم على المياه في الصحراء، ثم يطلّ الشعور الديني، من خلال ضراعة موسى لربه، وتصوير حالته رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ....
ثم يأتي المشهد الثالث، وفيه تصوير لإحداهن، جاءته تمشي على استحياء وهو جالس في الظلّ، إنه مشهد حي شاخص، مألوف، والصورة تلمس حركة الأنثى، كما تلمس انفعالها وحياءها تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ والفعل المضارع يحيي المشهد وكأنه حاضر، وترسم خطواتها البطيئة المعبرة عن حركة الحياء الداخلية حتى كأننا نراها في المشهد، وما هي عليه من الخفر والاستحياء.
والحياء يظهر أيضا في قولها: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا وهو قول هادئ صريح ليس فيه التواء أو زيادة، وفيه تركيز على أن الأب هو الذي يدعوه لإعطائه أجر السقاية، وليس لشيء آخر ويستجيب موسى. وهنا نلاحظ أن موسى يعرض مباشرة